تُعد المياه النظيفة من أهم الموارد الطبيعية التي يحتاجها الإنسان للبقاء والاستمرار في الحياة. إلا أن، في السنوات الأخيرة، شهدت مصر زيادة ملحوظة في تلوث المياه النظيفة، مما يؤثر على الصحة والحياة اليومية للملايين من السكان. في هذه الورقة، سنتناول قضية تلوث المياه النظيفة في مصر وتأثيرها على حقوق الإنسان الأساسية، مستعينين بالمنهجيات العلمية لتوثيق المعلومات وتقديم نصائح للتصدي لهذه المشكلة الملحة.
تشهد مصر أزمة متنامية في تلوث المياه النظيفة، وتأثيرها السلبي على الصحة العامة والبيئة. يتسبب التلوث في تدهور جودة المياه المتاحة للشرب والاستخدامات الزراعية، مما يؤثر على حقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في الحياة والصحة، وهناك عدة أسباب تؤدي إلى تلوث المياه النظيفة في مصر، بما في ذلك التلوث الصناعي والزراعي والمنزلي. تفريغ مخلفات المصانع والمزارع في الأنهار والبحيرات يسبب زيادة مستويات الملوثات والمواد الكيميائية الضارة في المياه. كما يتسبب التصريف السطحي للمياه العادمة من المنازل والمجاري الصحية غير الآمنة في تلوث المياه الجوفية والمياه السطحية.
إن التلوث المائي يشكل تهديدًا خطيرًا للصحة العامة وحقوق الإنسان، فالماء النظيف هو حق أساسي للإنسان ومصدر حيوي للحفاظ على الحياة والكرامة. ومع ذلك، تعاني مصر من مشكلة تلوث المياه النظيفة، حيث يتعرض الكثيرون للمياه الملوثة التي تحمل المخاطر الصحية وتؤثر على جودة الحياة، وتؤدي المياه الملوثة إلى انتشار الأمراض المعدية مثل الكوليرا والتيفوئيد والديزنتاريا. وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، يموت حوالي 6.5 مليون شخص سنويًا نتيجة لتلوث المياه ونقص الصرف الصحي.
إن تلوث المياه يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الحياة البشرية والبيئة بشكل عام، وتلوث المياه هو إضافة أي مادة غريبة أو ملوثة إلى المياه، سواء كانت عضوية أو غير عضوية، بحيث يتم تغيير الخصائص الفيزيائية أو الكيميائية للمياه، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الحياة البشرية والبيئة. فتلوث المياه يمكن أن يؤدي إلى انتشار الأمراض المعدية والهواجس الصحية، ويؤثر على النظام البيئي والحيوانات المائية، ويؤدي إلى تدهور جودة المياه واستنزاف الموارد المائية.
كما أن تلوث المياه يؤثر بشكل كبير على حق الإنسان في الحياة. فحق الإنسان في الحياة يتطلب الحصول على المياه النظيفة والآمنة للشرب والاستخدام اليومي. وتلوث المياه يؤدي إلى تقليل الموارد المائية الآمنة والنظيفة، مما يؤثر على صحة الإنسان ويزيد من خطر الإصابة بالأمراض المعدية. ويؤثر تلوث المياه أيضاً على النظام البيئي والحيوانات المائية، مما يؤدي إلى التأثير على الصيد والزراعة والاقتصاد.
بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الحكومات والمجتمعات المحلية والدولية التعاون لحماية وتحسين جودة المياه. ويمكن القيام بذلك عن طريق إعداد سياسات وإجراءات للحفاظ على نظافة المياه، وتطوير التكنولوجيا لتنقية المياه، وتوفير التدريب والتوعية للمجتمعات المحلية بأهمية المياه النظيفة وطرق حمايتها. كما ينبغي تشجيع الشركات والصناعات على تبني ممارسات صديقة للبيئة والتي تحافظ على جودة المياه.
المياه النظيفة أحد الحقوق الأساسية للإنسان
يُعَدُّ الوصول إلى المياه النظيفة حقًا أساسيًّا لكل إنسان. فالمياه النقية والصالحة للشرب ضرورية للحياة والنمو الصحي، وتعتبر أحد العوامل الأساسية لتحقيق حياة كريمة. ولهذا السبب، تمت صياغة مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تعترف بحق الإنسان في المياه النظيفة وتحث الدول على اتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق هذا الحق الأساسي.
من بين المعاهدات الدولية الرئيسية التي تنص على حق الإنسان في المياه النظيفة، يمكن ذكر المعاهدة الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تنص في المادة 11 على “حق كل شخص في المعيشة الملائمة للكرامة الإنسانية، بما في ذلك التغذية والملبس والسكن والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والماء النظيف والصرف الصحي”.
الاتفاقية الإقليمية لأوروبا بشأن المياه المستخدمة في الشرب والصرف الصحي تُعد هذه الاتفاقية ملزمة للدول الأعضاء، وتحدد المعايير القياسية والأهداف لجودة المياه المستخدمة في الشرب والصرف الصحي.
الاتفاقية العالمية لحقوق الإنسان (UDHR): تعترف المادة 25 من هذه الاتفاقية بحق الإنسان في المعيشة الكريمة، والتي تشمل الوصول إلى المياه النظيفة والصحية.
الميثاق الإفريقي للحقوق الإنسان والشعوب الذي يعترف بحق الإنسان في الماء والصرف الصحي. كما تمت الموافقة على الأهداف الإنمائية للألفية من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والتي تضمنت التزامًا بتوفير وصول مستدام وآمن للمياه النقية والصرف الصحي للجميع بحلول عام 2015.
وفيما يتعلق بمصر، فقد قامت الحكومة المصرية بالتزامات متعددة تجاه حق الإنسان في المياه النظيفة، حيث صدقت مصر على المعاهدة الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على تحقيق الأهداف الإنمائية المستدامة التي تشمل توفير المياه النقية والصرف الصحي للجميع.
ومع ذلك، تواجه مصر تحديات عديدة في تحقيق حق الإنسان في المياه النظيفة، فالتلوث المائي ونقص الموارد المائية يشكلان تحديًا كبيرًا. تتعامل مصر مع تأثيرات التلوث من خلال تطوير وتنفيذ برامج ومشروعات لمراقبة وتحسين جودة المياه، وتوسيع بنية التحلية ومحطات معالجة المياه، وتعزيز الوعي البيئي بين المجتمع. ولتحقيق حق الإنسان في المياه النظيفة في مصر، يجب تعزيز التزام الحكومة بتنفيذ استراتيجيات مستدامة لمكافحة التلوث المائي وتحسين إدارة الموارد المائية. ينبغي أن يشارك المجتمع المدني والمؤسسات العلمية والبحثية في تحقيق هذا الهدف، من خلال البحث والابتكار وزيادة الوعي بأهمية المياه النظيفة لصحة الإنسان والبيئة.
مصادر تلوت المياه في مصر
تنقسم ملوثات المياه في مصر إلى عدد من المصادر
• مصادر ناتجة عن الأعمال المنزلية، مثل مخلفات المنازل والقمامة، خاصة فضلات الطعام التي تتعفن وتتحلل في المياه، وبالطبع فإن التلوث الناتج عن هذه العملية في علاقة تزايد طردي مع عدد السكان.
• مصادر ناتجة على الأعمال الصناعية، وهذا النوع من التلوث منتشر بشكل كثير في مصر خاصة في الصعيد، هي المصانع التي تلقي بمخلفاتها في مياه النيل، هذه المخلفات التي تحتوي على عناصر كيميائية سامة.
• مصادر ناتجة عدد الأعمال الزراعية، وينتشر هذا النوع من التلوث في المناطق الريفية، وهو نتاج استخدام المبيدات الحشرية والمواد الكيميائية التي تعمل على تخصيب التربة، وكذلك تنتشر في المناطق الريفية نوع آخر من التلوث المتعلق بالزراعة فهو إلقاء الحيوانات الميتة في الترع والمصارف، حيث تلعب مياه الترع والمصارف دورًا حيويًا في توفير المياه النظيفة والحفاظ على صحة البيئة المائية في مصر. ومع ذلك، يشكل القاء الحيوانات الميتة في هذه المياه تحديًا كبيرًا ومشكلة بيئية تؤثر على جودة المياه وتتسبب في آثار سلبية على النظام البيئي والصحة العامة. ويؤدي القاء الحيوانات الميتة في مياه الترع والمصارف إلى عدة تأثيرات سلبية على المياه والبيئة، أحد هذه التأثيرات هو زيادة مستوى التلوث العضوي في المياه، عندما تتحلل الحيوانات الميتة، تطلق مواد عضوية وملوثات بيولوجية في المياه، مثل النيتروجين، والفوسفور، والبكتيريا، والفطريات. تتفاعل هذه الملوثات مع المواد العضوية الأخرى في الماء وتؤدي إلى زيادة تلوثها وتدهور جودتها.
وتتسبب الحيوانات النافقة أيضًا في انخفاض محتوى الأكسجين في المياه، مما يؤدي إلى حدوث ظاهرة تسمم الأكسجين. عندما تتحلل الحيوانات الميتة، تستهلك المواد العضوية الموجودة في الماء الأكسجين، مما يؤدي إلى نقصه في المياه وتهديد حياة الكائنات الحية الأخرى في النظام البيئي المائي. وتشير الدراسات العلمية إلى أهمية التصرف الصحيح في الحيوانات الميتة للحفاظ على جودة المياه. يجب أن يتم تشجيع المزارعين وأصحاب الماشية على التخلص الآمن والمسؤول من الحيوانات الميتة، سواء عن طريق التجميع والتخلص منها بشكل صحي أو استخدام تقنيات التحلل الحيوي المناسبة للتقليل من التأثيرات البيئية السلبية.
• مصادر ناتجة عن الأعمال البشرية والحيوانية، وهي التي تأتي من الاستخدامات الخاطئة للإنسان والحيوان لمصادر المياه وغسل الأواني وغيرها من الممارسات الخاطئة
• مصادر ناتجة عن الانتشار النباتي الخاطئ، مثل النمو العشوائي للنباتات الضارة على المسطحات المائية مثل ورد النيل.
• مصادر ناتجة عن الصرف الصحي، وهي أحد أهم مصادر تلوث المياه في مصر، فإن مياه الصرف الصحي تحتوي على ملوثات بيولوجية وكيميائية، وهي من أهم المواد المسرطنة لمياه الشرب. ففي مصر عاني الكثير من الأهالي بسبب اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب، ففي 2017 قدم سكان مناطق العمرانية وفيصل وإمبابة والهرم بمحافظة الجيزة عدد من الشكاوي بخصوص هذه المشكلة، حيث تم اخذ عينات من مياه الشرب وتحليلها في معامل شبكة مياه الشرب وتم التأكد من اختلاطها بمياه الصرف الصحي، الأمر نفسه الذي حدث مع أهالي مركز طامية بمحافظة الفيوم حيث اشتكي العديد منهم بتهالك مواسير شبكة مياه الشرب والتي تمر من مصرف لمياه الصرف الصحي وتم اختلاطهما ببعضهما، وتظهر بعض الصور المنشورة في تقرير صحفي لموقع المصري اليوم تغير لون المياه وتحولها الى لون أقرب الى الأصفر.
الأمراض الناتجة عن تلوث المياه
الكوليرا
يُعد مرض الكوليرا من الأمراض الخطيرة التي يتسبب فيها تلوث المياه ببكتيريا الكوليرا العاملة على انتشار المرض. وهو مرض يشكل خطراً كبيراً على الصحة العامة في الدول النامية والمناطق التي تعاني من نقص في المياه النظيفة والصرف الصحي. ويؤدي شرب المياه الملوثة ببكتيريا الكوليرا إلى الإصابة بأعراض مثل الإسهال الشديد والتقيؤ والحمى والصداع، ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة في الحالات الحادة. وعادةً ما ينتقل المرض عن طريق تناول الأطعمة والمشروبات الملوثة بالبكتيريا أو الاتصال المباشر مع الأشخاص المصابين. تتأثر الدول النامية بشكل كبير بانتشار مرض الكوليرا بسبب عدم وجود بنية تحتية كافية لتوفير المياه النظيفة والصرف الصحي الآمن، وكثرة الأشخاص الذين يعيشون في ظروف صحية غير صالحة. ويؤدي هذا إلى انتشار المرض بشكل كبير في هذه الدول، خاصةً في فصل الصيف والأحوال الجوية الرطبة.
التسمم الغذائي بالأمونيا
هو مرض يحدث نتيجة تناول المياه الملوثة بالطفيليات الأميبية. يتميز هذا المرض بتسببه في مشاكل صحية متعددة تتراوح بين الأعراض الخفيفة والتهابات خطيرة في الكبد. وتلوث المياه النظيفة بالأمونيا يحدث عندما تتواجد الطفيليات الأميبية في المصادر المائية الملوثة مثل الترع والبحيرات. عندما يشرب الإنسان هذه المياه الملوثة، يتعرض لخطر الإصابة بالتسمم الغذائي بالأمونيا. ومن أعراض التسمم الغذائي بالأمونيا تتضمن الإسهال، الألم في البطن، فقدان الشهية، الحمى، القيء، الإجهاد، والضعف العام. في حالات نادرة، يمكن أن يتسبب التسمم الغذائي بالأمونيا في التهاب الكبد وتشكل أورام. وتكمن تأثيرات تلوث المياه النظيفة بالأمونيا في تفشي العدوى وانتقال الطفيليات الأميبية إلى الجهاز الهضمي للإنسان. هذا يؤدي إلى التهابات ومضاعفات صحية خطيرة مثل التهاب الكبد وتشكل الأورام. كما يؤثر التسمم الغذائي بالأمونيا على نوعية الحياة ويمكن أن يتسبب في تدهور الحالة الصحية العامة للمصابين.
الحمى الطبية (البلهارسيا)
الحمى الطبية، المعروفة أيضًا باسم البلهارسيا، هي عدوى طفيلية تصيب الإنسان وتسبب أمراضًا خطيرة في الجهاز الهضمي والكبد. تنتشر هذه العدوى في مناطق معينة حول العالم، وتعتبر مشكلة صحية عالمية تستدعي الاهتمام والوعي، ويعتبر التلوث المائي، بما في ذلك تلوث المياه النظيفة، أحد العوامل الرئيسية لانتقال الحمى الطبية. يحمل الدودة الطفيلية للبلهارسيا فيروس البلهارسيا ويتم إطلاقها في المياه العذبة الملوثة ببراز البشر أو الحيوانات المصابة. عندما يتعرض الإنسان لتلك المياه الملوثة ويشربها أو يتلامس معها، يتم اختراق الطفيلي في جسمه، وينتشر في الدورة الدموية ويستقر في الكبد والأمعاء، وتتميز أعراض الحمى الطبية بحمى متقطعة، تتناوب بين فترات الحمى والاستقرار، ألم في البطن، ضعف عام، خسارة الوزن، وتضخم الكبد والطحال. في حالات متقدمة، قد يتسبب البلهارسيا في التهاب الكبد الوبائي والتليف الكبدي، وتلف الأعضاء الداخلية، وتترتب على الحمى الطبية آثار وتأثيرات خطيرة على الصحة العامة وجودة الحياة. قد تتسبب في حدوث مضاعفات خطيرة مثل التهابات مزمنة في الكبد والأمعاء، وتلف الأنسجة الكبدية، وارتفاع معدل الوفيات. قد تؤثر أيضًا على النمو والتطور العقلي والجسدي للأطفال المصابين بالمرض.
التهاب الكبد الفيروسي
واحدة من الأسباب المحتملة لانتقال التهاب الكبد الفيروسي هي تلوث المياه النظيفة بفيروسات التهاب الكبد، تنتشر فيروسات التهاب الكبد بين البشر عادةً عن طريق الماء الملوث بالبراز المصاب بالفيروسات. قد يحدث تلوث المياه النظيفة عن طريق المصادر المائية الملوثة بمياه الصرف الصحي غير المعالجة أو نتيجة التلوث البكتيري أو الفيروسي الذي ينتشر من الحيوانات المصابة أو الأشخاص المصابين، وتعتبر فيروسات التهاب الكبد الفيروسي النوع E,A أكثر انتشارًا عبر المياه الملوثة. عندما يتم استهلاك الماء الملوث بهذه الفيروسات أو استخدامه في تحضير الطعام، يمكن للفيروسات أن تدخل الجسم وتصيب الخلايا الكبدية، مما يؤدي إلى التهاب الكبد الفيروسي، وأعراض هذا المرض قد تشمل الحمى، الإعياء، الغثيان، فقدان الشهية، آلام في البطن، اصفرار الجلد والعينين (اليرقان)، وتغير لون البول والبراز. قد تكون هذه الأعراض خفيفة في بعض الحالات وتصبح أكثر شدة في حالات أخرى، وتشمل تأثيرات التلوث المائي والإصابة بالتهاب الكبد الفيروسي التأثيرات الصحية الخطيرة على الكبد والجهاز الهضمي. يمكن أن يتسبب التهاب الكبد الفيروسي في التهاب الكبد الحاد أو التهاب الكبد المزمن، والتي قد تتسبب في تلف الأنسجة الكبدية وتشمل تشمع الكبد وسرطان الكبد.
التسمم الغذائي بالزئبق
هو حالة تحدث نتيجة استهلاك الأطعمة أو المشروبات الملوثة بمستويات مرتفعة من الزئبق. واحدة من المصادر المحتملة لتلوث المياه النظيفة بالزئبق هي التلوث الصناعي والتنقل الجيولوجي للزئبق، ويتم تصنيف التسمم الغذائي بالزئبق إلى نوعين رئيسيين: التسمم الحاد والتسمم المزمن. التسمم الحاد يحدث عند تناول كميات كبيرة من الزئبق في فترة زمنية قصيرة، في حين يحدث التسمم المزمن نتيجة تناول كميات صغيرة من الزئبق على مدار فترة طويلة، وتنتشر الزئبق في البيئة بشكل شائع من خلال النشاطات الصناعية مثل صناعة المعادن، ومحطات توليد الطاقة التي تستخدم الفحم، ومعالجة النفايات الصناعية. قد يتسرب الزئبق إلى مصادر المياه العذبة والمحيطات من خلال التلوث الجوي أو التلوث المائي. ان تلوث المياه النظيفة بالزئبق يمكن أن يؤدي إلى تراكمه في الأسماك والمحيطات وسلاسل الغذاء المائية الأخرى. عندما يستهلك الإنسان هذه الأسماك الملوثة بالزئبق، يتسبب ذلك في امتصاص الزئبق في جسمه وزيادة مستوياته في الدم. وتأثيرات التسمم الغذائي بالزئبق على الصحة يمكن أن تكون خطيرة. قد يؤثر الزئبق على الجهاز العصبي المركزي والمناعة والتنمية العقلية للأطفال. قد يتسبب التعرض المزمن للزئبق في مشاكل في النمو والتعلم والتأثير على القدرات الحركية والإدراكية.
التسمم الغذائي بالرصاص
هو حالة تحدث نتيجة استهلاك الأطعمة أو المشروبات الملوثة بمستويات مرتفعة من الرصاص. واحدة من المصادر المحتملة لتلوث المياه النظيفة بالرصاص هي التلوث البيئي الصناعي والاستخدام السابق للرصاص في المنتجات المعدنية، ويمكن أن يتسبب تلوث المياه النظيفة بالرصاص في انتقاله إلى مصادر الطعام والمحاصيل المزروعة. قد يحدث التلوث بالرصاص عن طريق المواد الكيميائية والتلوث الصناعي التي تندفع إلى مصادر المياه العذبة والتربة. تناول الأطعمة والمشروبات التي تم تحضيرها باستخدام هذه المياه الملوثة بالرصاص يمكن أن يؤدي إلى التسمم الغذائي بالرصاص، وتعتبر الأطعمة المحمصة والمقلية والملونة بأصباغ الرصاص والأطعمة التي تحتوي على مواد حافظة تحتوي على الرصاص من بين المصادر الشائعة للتسمم بالرصاص. بالإضافة إلى ذلك، قد يحدث التلوث بالرصاص عند استخدام الأواني المصنوعة من المعادن الملوثة بالرصاص في عمليات الطهي أو التخزين، وأعراض التسمم بالرصاص تتنوع وتشمل الأعراض العصبية مثل آلام البطن، صداع، فقدان الشهية، اضطرابات النوم، الاكتئاب والقلق. قد تظهر أيضًا أعراضًا في الجهاز الهضمي مثل غثيان، قيء، وإسهال. قد تتأثر الأعضاء الحيوية الأخرى مثل الكلى والكبد والجهاز العصبي المركزي بالتسمم بالرصاص، وتأثيرات التسمم الغذائي بالرصاص يمكن أن تكون خطيرة، خاصة على المدى الطويل. قد يؤدي التعرض المطول لمستويات عالية من الرصاص إلى تلف الأعضاء الحيوية وتأثيرات سلبية على النمو العقلي والجسدي للأطفال.
التوصيات
إن مبادرة مناخ للدراسات البيئية في نهاية هذه الورقة التي تعلن فيها موقفها من مشكلة تلوث المياه في مصر، تقدم 10 توصيات للحكومة المصرية بناءً على المعلومات المشار إليها سابقا، حيث إن العمل بهذه التوصيات في استراتيجية الدولة سيعمل على تعزيز حق الإنسان في بيئة آمنة صحية ونظيفة.
1- تطوير البنية التحتية وتحسين معالجة الصرف الصحي: ينبغي على الحكومة تعزيز الاستثمار في البنية التحتية لمعالجة الصرف الصحي وتحديثها، وتطوير نظم فعالة لمعالجة وتنقية المياه الملوثة.
2- تشديد الرقابة وتنفيذ القوانين واللوائح: يجب على الحكومة تكثيف الرقابة على المصانع والمنشآت الصناعية لضمان تطبيق اللوائح البيئية والصحية وفرض عقوبات صارمة على المخالفين.
3- تعزيز التوعية والتثقيف: ينبغي على الحكومة تنفيذ حملات توعوية وتثقيفية شاملة للمواطنين بشأن أهمية استخدام المياه النظيفة والسلوكيات الصحية للحفاظ على جودة المياه.
4- تعزيز الصحة العامة والرعاية الصحية: يجب أن تتبنى الحكومة سياسات وبرامج تعزز الصحة العامة وتوفر رعاية صحية عالية الجودة للمواطنين الذين يعانون من آثار التلوث المياه.
5- تعزيز التكنولوجيا البديلة والمستدامة: ينبغي على الحكومة دعم الابتكار والاستثمار في تكنولوجيا مستدامة وبيئية تقلل من تلوث المياه وتساهم في حماية البيئة.
6- تعزيز التعاون الدولي: يجب أن تعمل الحكومة المصرية على تعزيز التعاون الدولي مع الجهات الدولية والمنظمات غير الحكومية للتعاون في تطوير حلول مستدامة لمشكلة تلوث المياه.
7- تعزيز الشفافية والمشاركة المجتمعية: يجب أن تكون الحكومة مفتوحة وشفافة فيما يتعلق بتلوث المياه وأثره على الصحة العامة، وتشجيع المشاركة المجتمعية والاستماع إلى مختلف الأصوات والمصالح.
8- تعزيز البحث العلمي والتطوير التكنولوجي: ينبغي على الحكومة دعم البحث العلمي وتطوير التكنولوجيا المتعلقة بمعالجة المياه وتقييم التأثيرات الصحية، واستخدام النتائج في صنع القرارات السياسية.
9- تعزيز التخطيط العمراني المستدام: يجب أن تتخذ الحكومة إجراءات للتخطيط العمراني المستدام وتنظيم النمو الحضري بطريقة تحقق الحد الأدنى من التلوث المائي وتحسن جودة المياه.
10- توفير الموارد المالية والتقنية: يجب على الحكومة تخصيص الموارد المالية والتقنية اللازمة لتنفيذ الخطط والبرامج اللازمة لمكافحة تلوث المياه وحماية حقوق الإنسان في هذا الصدد.
وفي ضوء أزمة تلوث المياه في مصر وتأثيرها السلبي على الصحة العامة، يلعب المجتمع المدني وأفراد الشعب دورًا حاسمًا في حل هذه الأزمة وتحقيق تحسين جودة المياه. فيما يلي عشر توصيات لتكاتف المجتمع المدني وأفراد الشعب من أجل معالجة هذه الأزمة وضرورة استجابة صناع القرار للمشاركة المجتمعية:
1- تشجيع التوعية والتثقيف: ينبغي على المجتمع المدني وأفراد الشعب تعزيز التوعية بمشكلة تلوث المياه وأثرها على الصحة العامة، وذلك من خلال إقامة حملات توعية وإعلامية شاملة تستهدف الجمهور وتوفر المعلومات الصحيحة والمفصلة.
2- تنظيم الحملات والمبادرات المجتمعية: يجب على المجتمع المدني تنظيم حملات ومبادرات مجتمعية لتنظيف المصارف والترع والشواطئ، وذلك بمشاركة أفراد الشعب والمتطوعين.
3- التشجيع على استخدام الموارد المتجددة والمستدامة: ينبغي على المجتمع المدني وأفراد الشعب دعم استخدام الموارد المتجددة والمستدامة في مجال معالجة المياه وتحسين جودتها، مثل تقنيات المعالجة البيولوجية والأنظمة البيئية المستدامة.
4- تعزيز الرقابة المجتمعية: يجب على المجتمع المدني وأفراد الشعب المشاركة في مراقبة جودة المياه والإبلاغ عن أي تلوث محتمل، وذلك بالتعاون مع الجهات المسؤولة والمختصة.
5- تشجيع الابتكار والبحث العلمي: ينبغي على المجتمع المدني وأفراد الشعب دعم البحث العلمي والتطوير التكنولوجي لإيجاد حلول مبتكرة لمشكلة تلوث المياه وتحسين جودتها.
6- تشجيع المشاركة في اتخاذ القرارات: يجب أن يشجع المجتمع المدني وأفراد الشعب على المشاركة الفعالة في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بتلوث المياه، سواء على المستوى المحلي أو الوطني، وذلك من خلال المشاركة في الجلسات التشاورية واللجان والمنتديات ذات الصلة.
7- تعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة: ينبغي على صناع القرار تعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة فيما يتعلق بإدارة الموارد المائية ومكافحة تلوث المياه، وتشجيع المشاركة المجتمعية في عملية صنع القرار.
8- تكثيف التعاون المحلي والدولي: يجب أن يعزز المجتمع المدني وأفراد الشعب التعاون المحلي والدولي في مجال مكافحة تلوث المياه وتحسين جودتها، من خلال التبادل العلمي والتقني والخبرات والتعاون في تطوير المشاريع والبرامج المشتركة.
9- تعزيز الدور التوعوي للمدارس والمؤسسات التعليمية: ينبغي على المدارس والمؤسسات التعليمية تعزيز الوعي بقضية تلوث المياه وأهميتها الصحية، وتشجيع الطلاب على المشاركة في حملات التنظيف والتوعية.
10- تعزيز التشريعات وتنفيذها: يجب أن تعزز الحكومة التشريعات المتعلقة بحماية المياه وتلوثها، وضمان تنفيذها بشكل فعال وتطبيق العقوبات على المخالفين، مع توفير آليات لمراقبة ومتابعة التنفيذ.
إن تبني هذه التوصيات وتنفيذها بشكل جاد سيساهم في تحسين جودة المياه وحماية صحة المواطنين في مصر، بالإضافة إلى تعزيز حقوق الإنسان والمشاركة المجتمعية في هذا الجانب الحيوي من حياة الناس. يجب على الحكومة المصرية العمل بالشراكة مع المجتمع المدني وأفراد الشعب لتحقيق هذه الأهداف الحاسمة والحفاظ على صحة وأمان المجتمع.