شفافية المعلومات وحرية تداولها كآلية لمواجهة التغيرات المناخية

(ورقة موقف)

مقدمة، انعكاس التغيرات المناخية على البيئة المصرية

تتكاتف حكومات العالم حاليا لمواجهة القضية الكبرى المتمثلة فى التهديدات المستقبلية المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية، وقد استضافت مصر مؤخرا مؤتمر الدول الأطراف cop 27 لبحث سبل وآليات مواجهة هذه التغيرات المحتملة، و تزامنا مع مؤتمر شرم الشيخ، قدمت مبادرة مناخ للدراسات البيئية ثلاثة دراسات عن التهديدات المستقبلية التي ستواجهها مصر نتيجة التغيرات المناخية، حيث أقرت معظم الدراسات البيئية أن مصر ستكون من أكبر البلدان المهددة بيئيا، حيث أن نسبة غازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في تزايد مستمر في الغلاف الجوي المصري، ويشارك قطاع الطاقة بالنسبة الأكبر في هذه الإنبعاثات بنسبة 64.5%، يليه قطاع الزراعة والغابات واستخدام الأراضي بنسبة 14,9%،يليهم قطاع العمليات الصناعية بنسبة 12%، ثم قطاع المخلفات بنسبة 8.1%، كذلك تشير الاستنتاجات الدراسية بوقوع عدد من الكوارث خلال القرن الحالي تتمثل فى غرق المناطق الساحلية وسواحل الدلتا المصرية،  حيث أن نحو 4 مليون نسمة مهددين بالنزوح من مناطقهم جراء ارتفاع منسوب سطح البحر وغرق هذه المناطق، حيث أن عشرة محافظات مصرية مهددة بالغرق، وهم الاسكندرية والاسماعيلية والدقهلية والشرقية والغربية والبحيرة وبورسعيد ودمياط وكفر الشيخ وشمال سيناء،  بإجمالي 13 مدينة ومنطقة حضرية و 108 قرية وعزبة، حيث تتراوح مساحة الكتلة العمرانية المهددة بالغرق بين 35505.45 فدان إلى 81148.13 فدان، وتتراوح مساحة الأراضي الزراعية المهددة بالغرق بين 926554.04 فدان إلى 2245763.89 فدان.

تأثرت مصر سابقا من التغيرات المناخية تمثلت في ارتفاع منسوب سطح البحر بمدن رشيد ودمياط بمقدار 11.35 سم بين عامي 1930 في 1980، كذلك شهدت مدينة الإسكندرية هبوطا في مستوى سطح الأرض بمقدار 2 مم / عام نتيجة التغيرات التكتونية في القشرة الأرضية، الهبوط نفسه الذى شهدته مدينة بورسعيد بمقدار 4 مم / عام، ومنذ عام 1972 حتى عام 1991 تآكلت شواطئ مدينة رشيد نتيجة قلة كميات الطمي التي كانت مترسبة على الشواطئ. كذلك شهدت مصر خلال العقد الماضي ارتفاعا ملحوظا في درجات الحرارة نتيجة زيادة نسبة انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، الأمر الذي نتج عنه عدد كبير من الاصابات بالإجهاد الحراري أدت إلى الوفاة في بعض الحالات.

إذن، فالتهديدات المستقبلية الناتجة عن التغيرات المناخية، وكذلك ما تعرضت له مصر سابقا، تهدد حق الإنسان في الحياة، منعكسة في تهديد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، مثل الحق فى السكن الملائم والحق في التمتع بصحة جيدة وكذلك الحق فى بيئة نظيفة والحق في التعليم والحق فى الغذاء، هذه الحقوق التي أقرت مصر التزامها بكفالتها للمواطنين كأحد البلدان الموقعة والمصدقة على العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وللوصول إلى تعزيز هذه الحقوق و كفالتها للمواطنين فلابد من تكاتف صناع القرار ومنفذيه مع المجتمع المدني والباحثين الأكاديميين وكذلك المواطنون أنفسهم، وعملية المشاركة المجتمعية هذه لن تتم إلا بتوافر المعلومات اللازمة والصحيحة عن مشاكل التغيرات المناخية وإتاحتها وتسهيل سبل الحصول عليها، والعمل على تعزيز حرية تداولها.

دور شفافية المعلومات في تعزيز حقوق الإنسان

إن عملية شفافية المعلومات وإتاحتها لجميع المواطنين في جميع المجالات أمر ضروري وحتمي، وهو أمر تسعى إليه دائما حكومات البلدان المتقدمة لإشراك المختصين وأصحاب المصالح في صناعة القرار، بينما لا زالت تعاني البلدان النامية من تراجع دور شفافية المعلومات وعدم الإفصاح عنها، شأنها شأن العديد من القطاعات داخل هذه الدول، الأمر الذي يترتب عليه العديد من المساوئ خاصة تراجع دور المشاركة المجتمعية، وعزل المجتمع المدني وتقييده في القيام بدوره، وكذلك تراجع دور نتائج البحث العلمي وتعطيل حركتها.

يواجه المواطنون المصريون تحديات في الوصول إلى المعلومات الرسمية بسهولة، حيث يوجد قيود على حرية الصحافة والحق في المعلومات. ومن بين العوائق التي تواجه المواطنين قانون الصحافة الذي يضع قيودًا على حرية الصحافة ويسمح للسلطات بمنع نشر المعلومات التي تعتبر “سرية” أو “تؤثر على الأمن القومي”، والإجراءات الأمنية حيث يتم استخدام الإجراءات الأمنية لمنع الصحفيين والنشطاء من الوصول إلى المعلومات الرسمية، ويتم استخدام القوة والتهديد لمنعهم من الكشف عن الحقائق، وقيود الوصول إلى الإنترنت حيث يتم حجب بعض المواقع الإلكترونية والتطبيقات التي تنشر المعلومات الحساسة أو المعارضة للسلطة، مما يصعب على المواطنين الوصول إلى تلك المعلومات.

تعد شفافية المعلومات أحد الركائز الهامة التي تعزز حق الإنسان وتسهل عمليات المشاركة المجتمعية، حيث تعد أمرا مهما لكل من الأفراد والمجتمعات والحكومات معا، فبقدرة الأفراد والجماعات للوصول إلى المعلومات الصحيحة في مجال ما بسهولة، يمكنهم اتخاذ القرارات الصحيحة وكذلك الإجراءات والتدابير اللازمة لمواجهة مشكلة ما، كما تعزز الشفافية عمليات المساءلة لإرساء قيم العدالة ومكافحة الفساد، وللوصول إلي تحقيق آليات الشفافية في المعلومات فلابد من توافر مجموعة من السياسات والتشريعات والقوانين تنص صراحة على وجوب توفير المعلومات وتجريم حجبها وكذلك تحديد الجهات المسئولة عن إتاحة هذه المعلومات، وطرق الوصول إليها، الأمر الذي يتطلب ضرورة التنسيق بين الحكومات والهيئات صاحبة القرارات التشريعية والتنفيذية والرقابية وبين أفراد المجتمع المدني والمهتمين بالشأن العام وأصحاب المصالح.

يشكل تحقيق شفافية المعلومات تحديا كبيرًا في الكثير من المجتمعات، خاصة في الدول التي تعاني من ضعف النظم القانونية والتنظيمية والحكومية. ولذلك، يجب العمل على توفير الدعم والتدريب للجهات المعنية بتحقيق الشفافية، سواء كان ذلك في الحكومات أو المنظمات أو المؤسسات الخاصة، وكذلك يتطلب تحقيق الشفافية توفير بنية كبيرة وآمنة لتخزين المعلومات وتنسيقها، عن طريق الأدوات والتقنيات الحديثة المواكبة لحركة التطور التقني، ومن ثم سهولة الوصول إليها والحصول عليها.

يعني مصطلح الشفافية إتاحة المعلومات وتقاسمها مع الجمهور والتصرف فيها بطريقة واضحة ومكشوفة، لمساعدة أصحاب المصالح في جمع المعلومات اللازمة حول دراساتهم ومشاركاتهم المجتمعية، مما يؤدي الى تراجع نسب الفساد، كما تعني الشفافية توفير إجراءات واضحة وآليات لعمليات صناعة القرار وخلق مسار بين أصحاب المصالح والمسؤولين في الأجهزة الرسمية، وتضع نتائج البحث والحلول أمام المواطنين، شفافية المعلومات تعني القدرة على الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالقضايا العامة والحيوية بسهولة وبدون عوائق، وذلك من خلال التوفر على معلومات دقيقة وشاملة ومحدثة بشكل مستمر. إذن تعتمد الشفافية على عدة ركائز تتمثل في:[1]

  • توفير المعلومات والبيانات بشكل دقيق وواضح وعلني، وإتاحتها للجمهور.
  • الوضوح والبيان في السياسات والإجراءات والقوانين المتبعة، وآليات صنع القرار.
  • إشراك أصحاب المصلحة في اتخاذ القرار.
  • فتح قنوات اتصال بين الأجهزة الرسمية للدولة والجمهور.

إذن باعتماد الشفافية على الركائز المذكور سابقا، تتحقق أهدافها في الوصول الى الدقة والموضوعية في اتخاذ القرارات، وتقليل حالات الفساد في الدولة، وكذلك إعمال دور المؤسسات البرلمانية والرقابية للدولة في القيام بدور المساءلة العامة، ومحاسبة المسئولين في حالات التقصير أو الأخطاء المتعمدة وإيجاد نظام تشريعي قوي ملم بجوانب الأمور، ويمكن تحديد أهمية الشفافية في المحاور التالية:[2]

  • منع الممارسات الإدارية الخاطئة في العمل.
  • توحيد الجهود ودعم القيادات الإدارية وصناع القرار.
  • توفير الجهد والوقت من خلال سهولة وضع الخطط الاستراتيجية وخططها الزمنية.
  • مواكبة الأجهزة الإدارية وصناع القرار لحركة التطور الدائمة والمتغيرة.
  • تحقيق التطور والتنمية الإدارية.
  • مواكبة القوانين والتشريعات للتطورات الحديثة، وسهولة محاورها وبنودها لسهولة فهمها وتنفيذها.
  • تعزيز الرقابة الإدارية والمساءلة القانونية.
  • الحد من دور البيروقراطية والنظم المعقدة.
  • الحد من الفساد الإداري والمالي.
  • جذب الاستثمارات الخارجية، ووضوح الرؤية لأصحاب رؤوس الأموال.
  • علانية اتخاذ القرارات التي تمس حياة المواطنين.
  • الوصول إلى أفضل النتائج والحلول في أقصر فترة زمنية.
  • وضوح الرؤية لدى المحللين المختصين.
  • تفعيل دور المجتمع المدني.

ماهية المعلومات البيئة

على الرغم من تعدد الدراسات التي بحثت في شفافية المعلومات وحرية تداولها والحق في الحصول على المعلومة، إلا أنه لا يوجد الكثير من الدراسات التي تخوض غمار البحث في تعريفات الحق في المعلومات البيئية وإتاحتها وتداولها. اتفاقية آرهوس (Aarhus) الخاصة بإتاحة المعلومات البيئية ومشاركتها مع الجمهور لاتخاذ القرارات المتعلقة بالبيئة وتعزيز حق التقاضي البيئى، تعتبر هذه الاتفاقية من أوائل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعددة الأطراف التي تبنت تحديد المفهوم القانوني للمعلومات البيئية، ونصت على ضرورة إتاحة المعلومات البيئة في شكل مكتوب أو منظور أو مسموع أو إلكتروني أو أي شكل مادى أخر، ولابد أن تشمل هذه المعلومات المحاور التالية[3]

  1. المعلومات عن حالة مكونات البيئة مثل الهواء والغلاف الجوي والتربة والمحميات الطبيعية والتنوع البيولوجي والتفاعل بين هذه العناصر.
  2. المعلومات عن العوامل البيئية مثل المواد والطاقة والضوضاء و الإشعاعات و الانبعاثات والتدابير الإدارية والاتفاقيات والتشريعات والسياسات والخطط الاستراتيجية البيئية، وأي من العناصر أو القطاعات المحتمل تأثيرها على البيئة.
  3. المعلومات عن الحالة الصحية للإنسان والمواقع والمنشآت من حيث التفاعل مع البيئة ومكوناتها ومدى تأثرها بعناصر البيئة.

ويشمل الحق في الحصول على المعلومات البيئية وفقا للوثائق والمعاهدات الدولية التي تضمن الحماية البيئية الحق في العناصر البيئية التالية[4]

  1. المعلومات عن البيئة المائية، مثل الحق في المعلومات عن البيئة البحرية، البيئة النهرية، والمياه الجوفية.
  2. المعلومات عن البيئة الجوية، مثل معدلات الطقس، التلوث الجوي، طبقة الأوزون، ومعلومات التغيرات المناخية.
  3. المعلومات البيئية البرية،  مثل التنوع البيولوجي، و السلامة الإحيائية.
  4. المعلومات عن المواد والنفايات الخطرة والمنتجات، مثل المعلومات عن المواد والحوادث النووية، النفايات الخطرة وطرق التخلص منها، المواد الكيميائية والمبيدات بأنواعها، والمعلومات عن الملوثات العضوية بأنواعها.
  5. المعلومات عن الأنشطة الخطرة وأثرها البيئي، مثل تقييم الأثر البيئي العابر للحدود، الضرر البيئي، والمعلومات عن التقييمات البيئية الاستراتيجية.

شفافية المعلومات من أجل تعزيز حق التقاضي البيئي

يعتبر التقاضي البيئى هو أحد السبل الأساسية لتحقيق العدالة البيئية،  وتحقيق التنمية المستدامة التي تسعى إليها الدول، وذلك من خلال قيام كل فرد في المجتمع بدوره في حماية البيئة، وذلك باتخاذ الإجراءات المشروعة في التصدي العمليات التلوث البيئي، عن طريق المسلك القضائي تجاه المخالفين سواء كانوا أفراد أم جماعات أم هيئات رسمية في الدولة لا تقوم بدورها، بالتالى يأتي دور توافر المعلومات البيئية وإقرار حرية تداولها، الأمر الذي يسهل قيام أي من المواطنين أو منظمات المجتمع المدني بإستخدام هذه المعلومات كأداة للتقاضي البيئي.

تعاني مصر من مشاكل جمة بسبب المصانع التي تلقي مخلفاتها في مياه النيل، وتقضي على حق المواطن في المياه النظيفة، وكذلك تقضي على الثروة السمكية، كذلك المصانع غير الملتزمة بالمعايير القانونية للانبعاثات، كذلك انتشار تصنيع الفحم النباتي بالطرق التقليدية (مكامير الفحم) التي تعد أحد ملوثات الهواء في مصر كما يتعدى خطرها إلى انتهاك حق المواطن في التمتع بصحة جيدة وينتج عنها أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو وسرطان الرئة، وكذلك انتهاك الحق في الغذاء عن طريق إصابة الأرض الزراعية بالأكاسيد، على الرغم من هذه الأضرار الواضحة والتي يعاني منها المواطنون ويقومون بتقديم الشكاوى إلى الادارات المحلية، إلا أنه لا يوجد حصر رسمى لهذه المخالفات منشور على موقع وزارة البيئة المصرية،  وللحصول على أى من هذه المعلومات يتطلب طرق غير رسمية داخل الإدارات المحلية المتفرقة.

إذن فإن توفير المعلومات البيئية من الجهات الرسمية في الدولة بشأن المصانع والمنشآت الملوثة للبيئة، وتقنين تداول هذه المعلومات وحق اتخاذها كأدوات في سبيل تعزيز التقاضي البيئي ينمى دور المواطن ويفعل مسئوليته المجتمعية في حماية البيئة،  كذلك يفعل دور المجتمع المدني في المشاركة المجتمعية، وينمي الدراسات الأكاديمية التي تقوم على معطيات صحيحة من أجل الخروج بالنتائج السليمة والحلول الملائمة.

حرية تداول المعلومات دوليا وعربيا

تعتبر حرية تداول المعلومات في كثير من الدول حق أصيل من حقوق الشعوب، وتعتبر السويد أول الدول التي أقرت هذا الحق ففي 1766 أصدرت السويد قانون حرية الصحافة، الذي إتاحة حرية الحصول على المعلومات كجزء من العمل الصحفي، ثم تتابع عملية إقرار هذا الحق في باقي الدول، خاصة دول أوروبا، وقد حازت حرية تداول المعلومات اهتماما كبيرا في بداية الألفينات، وفي المنطقة العربية يعد الأردن أول الدول العربية المقرة لحرية تداول المعلومات، ففي 2007 أصدرت الحكومة الأردنية قانونا يضمن حق المواطنين في الحصول على المعلومات، وقد أشار تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار[5] التابع لمجلس الوزراء المصري الى مؤشر حرية تداول المعلومات في الوطن العربي بناء على قياسات مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان، والذي وضع مؤشرين للقياس، الأول هو المؤشر القانوني والذي يتعلق بالقوانين واللوائح المنظمة لعملية حرية تداول المعلومات في كل دولة، والثاني هو مؤشر التطبيق العملي لكل دولة والذي يقيس مدي تنفيذ الدولة لقوانين حرية تداول المعلومات وفقا للمعايير الدولية، وجاءت مصر في المرتبة الرابعة عشر ضمن تسعة عشر دولة تم القياس عليهم في المنطقة العربية، وقد جاء الأردن في المرتبة الأولى ثم اليمن ثم البحرين،  واحتلت سوريا وليبيا المرابطين الأخيرين، الجدير بالذكر أن هذا التقرير صدر عام 2011 وهو عام الحريات الذي كان مقبولا فيه الحديث عن الحريات داخل مصر دون خوف من العقاب ، وكانت بعض الجهات الرقابة تحاول تجميل وجهها وابعد شبهات الفساد عن نفسها.

شفافية المعلومات البيئية وحرية تداولها في المعاهدات والمواثيق الدولية

في العام 1972 عقد أول مؤتمر عالمي للبيئة تابع للأمم المتحدة في مدينة ستوكهولم[6]، واعتمد المؤتمر إعلان وخطة عمل ستوكهولم الذي حدد مبادئ الحفاظ على البيئة البشرية وتعزيزها مع توصيات للعمل البيئي الدولي. كما أنشأ المؤتمر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، وهو أول برنامج للأمم المتحدة يعمل فقط على القضايا البيئية، وقد نص على ضرورة تطوير التعليم البيئي وتوعية الرأي العام، وتدعيم مؤسسات المجتمع المدني البيئية للقيام بأعمالهم.

في العام 1982 صدر الميثاق العالمي للطبيعة والذي نص على وجوب مشاركة الأفراد والمجتمعات في القرارات البيئية المتعلقة بحياتهم وفقا للقوانين، حيث نصت المادة 23 على “يجب أن يكون لكل شخص فرصة وفقا للقانون الوطني، بشكل فردي أو جماعي، للمساهمة في تطوير بيئتهم القرارات المتعلقة مباشرة؛ تواجه مثل هذه البيئة المتضررة أو المتدهورة”.[7]

في العام 1992 انعقد مؤتمر ريودي جانيرو الذي نص في المبدأ العاشر على “تعالج قضايا البيئة على أفضل وجه بمشاركة جميع المواطنين المعنيين، وتوفر لكل فرد فرصة مناسبة على الصعيد الوطن، للوصول الى ما في حوزة السلطات العامة من معلومات متعلقة بالبيئة، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالمواد والأنشطة الخطرة في المجتمع، كما تتاح لكل فرض فرصة المشاركة في عمليات صنع القرار، وتقوم الدول بتيسير وتشجيع توعية الجمهور ومشاركته عن طريق اتاحة المعلومات على نطاق واسع، وتكفل فرص الوصول بفاعلية الى الإجراءات القضائية والإدارية، بما في ذلك التعويض وسبل الإنصاف”.[8]

في العام 1998 صدرت الاتفاقية الخاصة لإتاحة فرص الحصول على المعلومات عن البيئة ومشاركة الجمهور في اتخاذ القرارات بشأنها والاحتكام الى القضاء في المسائل المتعلقة بها في مدينة آرهوس بالدنمارك[9]، وهي أول صك ملزم قانونا لتنفيذ المبدأ العاشر من اعلان ريودي جانيرو المذكور سابقا، حيث أقرت بأن لكل فرد الحق في المعيشة في بيئة ملائمة لصحته ورفاهه، وأنه لابد من أن تتاح للأفراد منفردين أو مجتمعين إمكانية الحصول على المعلومات البيئية، وأن يحق لهم المشاركة في اتخاذ القرارات بشأنها، وتتاح لهم إمكانية الاحتكام الى القضاء في المسائل المتعلقة بها، وإن تحسين فرص الحصول على المعلومات البيئية من شأنه تحسين نوعية القرارات المتخذة بشأنها، وذلك بهدف زيادة الشفافية في عملية اتخاذ القرار.

شفافية المعلومات البيئية وحرية تداولها في القوانين والتشريعات المصرية

نص الدستور المصري 2014 على حق تداول المعلومات، وهو الأمر الذي لم يكن معمولا به دستوريا في العصور السابقة في مصر، فقد نصت المادة 68 من الدستور على “المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقاً للقانون”.[10]

اذن فقد اعتبرت المادة الثامنة والستون من الدستور المصري أن جميع الوثائق الرسمية والمعلومات والبيانات هي في ملكية الشعب المصري، وتتكفل الدولة بإيصال هذه المعلومات والبيانات الى من يريدها من خلال الإفصاح عنها بالطرق الرسمية والعلنية، ما عدا المعلومات التي تراها الدولة سرية وتخص الأمن القومي فلها الحق في اخفاءها بما ينظمه القانون، كما جرمت المادة المشار اليها حجب المعلومات أو الخطأ فيها عمدا، وبالطبع فإن مواد الدستور تكون عامة وشاملة جميع الجوانب، ومن المفترض أن تنعكس على القوانين والتشريعات في المجالات المتخصصة مثل القطاع البيئي، لكن حتى عام 2020 لم تنص أي من القوانين البيئية على هذا الحق صراحة[11]، وبالتالي كان قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 والتعديلات اللاحقة عليه خالية تماما من النصوص الملزمة للجهات الإدارية ووزارة البيئة بالحق في اتاحة المعلومات البيئية للمواطنين، الا أنه في عام 2020 صدر القانون رقم 202 بشأن تنظيم إدارة المخلفات، وذكر في مادته الخامسة في البند التاسع “إتاحة البيانات والمعلومات المتعلقة بقطاع المخلفات من بين أخص الأعمال والتصرفات اللازمة لتحقيق أهداف جهاز تنظيم إدارة المخلفات”

اذن فقد انعكست المادة 68 من دستور مصر 2014 على القطاع البيئي بعد ستة أعوام من تشريع وإقرار الدستور، وذلك على قطاع إدارة المخلفات فقط، ولم تشهد أي من المجالات الأخرى في القطاع البيئي تشريعا مماثلا.

حجب المعلومات الرسمية وتعمد عدم تداولها

على الرغم من أن معظم دول العالم خاصة في الانظمة الديمقراطية تسعي الى تعزيز حق الشعوب في الوصول الي المعلومات الرسمية دون تمييز، وأصبحت شفافية المعلومات أحد متطلبات الدول القوية التي تعتمد على البحث العلمي ودراسات ومشاركات المجتمع المدني في استراتيجيات القومية، الا أن مصر ما زالت تمتلك في تشريعاتها مجموعة من القوانين التي تنص موادها على تجريم تداول المعلومات وتضع عقوبات على الأشخاص المتورطين في إتاحتها للرأي العام، مثل قانون التعبئة العامة رقم 12 لسنة 1999 الذي ينص في مادته الخامسة والثلاثون على معاقبة من يتداول اى من المعلومات الخاصة بالتعبئة ونص على أنها ” إفشاء للبيانات” وتكون العقوبة بالحبس والغرامة أو أحدهما، وكذلك الزم القانون رقم 47 لسنة 1978 الموظفين المدنيين الكتمان عن كافة نتائج الأنشطة والاعمال ذات الطبيعة السرية او بموجب التعليمات الصادرة لهم، كذلك القانون رقم  121 لسنة 1975 الذي فوض رئيس الجمهورية بوضع طرق وأنظمة للمحافظة على الوثائق والمستندات الرسمية للدولة وكذلك فرض السرية عليها وقد تصل مدة السرية الى خمسين عام، وقد عزز هذا القانون القرار الجمهور رقم 472 لسنة  1979 الذي جعل الحد الأدنى لتداول الوثائق الرسمية بعد صدورها بثلاثين عاما ويمتع هذا الحد الى خمسين عام، ناهيك عن قانون الطوارئ الذي ظل معمولا به في مصر لسنوات والذي كان عائقا أمام جميع المعلومات في مصر ولم يلغي هذا القانون الا مؤخرا عام 2021.[12]

قصور المعلومات البيئية في مصر

يعاني ملف البيئة في مصر من مشاكل جمة تعوق أية سبل لوضع بدائل وحلول للمشاكل البيئية، وتأتي على رأس هذه المعوقات غياب المعلومات البيئية الصحيحة الصادرة عن الأجهزة الرسمية للدولة، وصعوبة الحصول على هذه المعلومات بطرق غير رسمية، فالمواقع الإلكترونية للأجهزة الرسمية مثل وزارة البيئة خالية تماما من أي حصر للمصانع المخالفة للقوانين البيئية والتي ترمي مخلفاتها في النيل، وكذلك المصانع التي ينتج عنها انبعاثات تعمل على زيادة نسب غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، كذلك لا وجود لحصر رسمي لتعداد مكامير الفحم النباتي في مصر والتي يصدر عنها انبعاثات ضارة على عدة مجالات بيئية وصحية وعمرانية، وكذلك وجود تضارب في التصريحات الرسمية للوزارات المعنية بشأن الأبنية الخضراء والمستدامة لمجابهة التغيرات المناخية، في الوقت نفسه الذي تسعى حكومات العالم إلى التقليل من استخدامات الطاقة في عمليات البناء والتجمعات الحضرية الجديدة باعتماد نظام البناء الأخضر، فإن موقع جهاز الهرم الأخضر المصري المنوط بهذه العملية متوقف ولا توجد عليه أية معلومات عن هذا القطاع، كذلك لم يتم الإعلان عن الآليات التي ستتخذها الدولة لمواجهة الخطر الناتج مستقبلا عن التغيرات المناخية غير المحاور الرئيسية في استراتيجية تغير المناخ.

وبناء على ما سبق عرضه فإن مبادرة “مناخ” للدراسات البيئية توصي بالآتي:

  1. مراجعة القوانين والتشريعات الحالية، وإعادة النظر في المواد التي تنص على حجب المعلومات ومعاقبة من يتداولها، وإعادة النظر في المواد التي تنص على مقتضيات الأمن القومي والسلم العام ووضع تعريف محدد وواضح لهم.
  2. سن تشريع ينص صراحة على ضرورة إتاحة المعلومات الرسمية للدولة، ووضع لائحة تنفيذية توضح آلية إتاحة المعلومات عن طريق المنصات والآليات الحديثة، وتبطل مواد هذا القانون ولائحته التنفيذية أية مواد متعارضة معه.
  3. ضرورة نص القانون على تجريم حجب المعلومات الرسمية، ومعاقبة كل من يتورط في التكتم على المعلومات الرسمية بأي من طرق التحايل.
  4. في إطار مواجهة التغيرات المناخية، فلابد من التزام وزارة البيئة بحصر جميع المخالفات البيئية مثل المصانع التي تصرف مخلفاتها في النيل ومكامير الفحم والمصانع الملوثة للهواء ونسب التلوث، وإعلان نتائج هذا الحصر بشكل دوري على الموقع الرسمي لوزارة البيئة.
  5. وضع وزارة البيئة استراتيجية للتعامل مع المخالفات البيئية، بالمشاركة مع أفراد المجتمع المدني والباحثين الأكاديميين وأصحاب المصالح، وإعلان هذه الاستراتيجية على الموقع الرسمي للوزارة، والخطط الزمنية لتنفيذها واعلان الجهات المسئولة عن تنفيذها.

[1]  الحيالي، صدام محمد محمود، دور الشفافية في تعزيز البعد الثقافي للمعلومات المحاسبية، جامعة تكريك، كلية الإدارة والاقتصاد، مجلة تكريك للعلوم الإدارية والاقتصادية، المجلد 4، العدد 10، 2008.

[2]  المرجع السابق.

[3] ديهية، حمرون، حق الحصول على المعلومات البيئية، آلية لتحقيق الشفافية، المجلة الأكاديمية للبحث القانوني، المجلد العاشر، الجزائر، سبتمبر 2019. https://www.asjp.cerist.dz/en/PresentationRevue/72

[4] المرجع السابق.

[5]  قوانين تداول المعلومات التجارب الولية والوضع الحالي في مصر، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، 2011.

https://manshurat.org/node/11070

[6] مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية، 5 – 6 يونيو 1972، ستوكهولم، https://www.un.org/ar/conferences/environment/stockholm1972

[7]  الميثاق العالمي للطبيعة 1982، https://ar.swewe.net/word_show.htm/?318047_5&%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%AB%D8%A7%D9%82_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A_%D9%84%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D8%A9

[8]  تقرير مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية، ريودي جانيرو 1992، https://www.un.org/ar/conferences/environment/rio1992

[9]  الأمم المتحدة، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، اتفاقية آرهوس.

https://unece.org/environment-policy/public-participation/aarhus-convention/text

[10]  الدستور المصري 2014، المادة 68. https://dostour.eg/2013/topics/rights-freedoms/rights-duties-28-6/

[11]  عطية، محمود حمدي، دور مبدأ المشاركة في تدعيم حق التقاضي في المجال البيئي، دار النهضة العربية، القاهرة، 2022.

[12]  تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ للقرار، مرجع سابق.

أخر المستجدات

تابعونا

ابق على اطلاع بأخر المستجدات في المجال البيئي

شارك هذه الورقة

أخر المستجدات