استخدام الفحم في مصر: سياسات إفقار ضد التنمية المستدامة

ورقة موقف

مبادرة “مناخ” للدراسات البيئية

في عام 2007 بلغ استهلاك مصر من الفحم في الصناعات 774 ألف طن من الفحم سنويًا، خلال خمسة أعوام تلاها انخفض معدل استهلاك المصريين إلى 386 ألف طن عام 2013، ومنذ اقرار حكومة ابراهيم محلب الاولى استخدام الفحم في صناعة الأسمنت وتوليد الكهرباء في أبريل 2014 ارتفع بشكل مطرد استهلاك الفحم، فبلغ حجم الاستيراد من الفحم الحجري والبترولي عام 2018 أكثر من 4 مليون طن متري، كما أستهلكت صناعة الأسمنت ما قدره 3.7 مليون طن عام 2018.

قدر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية[1] التكلفة الصحية لإستخدام الفحم في مجالي الأسمنت وانتاج الكهرباء فاتورة الصحة ب 30 مليار جنيه مصري في حالة تطبيق الشروط الأوروبية، إن استخدام الفحم يؤثر على التنمية المستدامة في مصر، بل ويضر بحقوق المواطنة الأساسية كالحق في الصحة، والحق في الغذاء الصحي، كما يؤثر بصورة أساسية على معدلات التنمية البشرية كالصحة والعدالة الغذائية ومؤشرات العمر المتوقع عند الميلاد وبالتي تنعكس تلك التغيرات على التنمية الاقتصادية الكلية للدولة.

ونستعرض في هذا التقرير وضع استخدام الفحم في مصر، والسياسات الرسمية في استخدامه كمصدر للطاقة خلال العقد الماضي، وتقديم بعض الآثار البيئية لإستخدام الفحم سواء في الصناعات الثقيلة لإدرار عملة أجنبية للبلاد، أو لسياسات النمو الاقتصادي من خلال الاهتمام بمشاريع البنى التحتية وتوزيع الريع من خلال انتاج الأسمنت والحديد الصلب المستخدم في تلك المشاريع.

نمو متسارع في استخدام الفحم

في عام 2012 أسست حملة “مصريون ضد الفحم” التي كانت تعارض استخدام الفحم في الصناعات، بالأخص بعد أن واجهت مصر نقص حاد في انتاج الكهرباء، ناقشت حكومة هشام قنديل الحل باستخدام الفحم كطاقة في إنتاج الأسمنت وتوفير الغاز لإنتاج الكهرباء قبل أن تتراجع عن القرار، وبعد أحداث 2013 ذهبت حكومة ابراهيم محلب السماح للقطاع الخاص والعام لاستخدام الفحم في انتاج الأسمنت، والذي يمثل أحد أطرافه شبكة مصالح من رجال أعمال ووكلاء لشركات عالمية في الصناعة مثل مصنع لافارج للأسمنت.

على الرغم من اعتراض ليلى اسكندر وزيرة البيئة[2] من استخدام الفحم لأنه الوقود الأحفوري الأكثر تلويثًا للهواء والبيئة، حيث يبنعث منه ضعف الغاز الطبيعي من ثاني أكسيد الكربون، تم إزاحة اسكندر من وزارة البيئة، وتعيين خالد فهمي المعروف “بوزير الفحم”.

كانت تستخدم مصر الفحم قبل 2014 في ثلاث قطاعات رئيسية:

  1. الحديد والصلب.
  2. إنتاج فحم الكوك.
  3. في صناعات الألمونيوم.

لا تمتلك مصر خام الحديد على أرضها، حيث تقوم باستيراده من الولايات المتحدة وأوكرانيا بشكل أساسي[3]، وبلغ استهلاكها في القطاعات الثلاث 464 ألف طن عام 2010[4]، وقد كان ميناء اسكندرية هو المعبر الرئيسي لاستيراده، وذلك لقرب الميناء من مصنع الدخيلة للحديد والصلب.

وفي 2014 تحت ضغوط تنويع مصادر الطاقة في مصر، والضغوط التي مارستها شبكات مصالح مصانع الأسمنت، توسعت الحكومة في استخدامات الفحم بحجة انخفاض تكلفته في قطاعات جديدة وهما قطاعي صناعة الأسمنت المستهلك الأكبر لواردات الأسمنت، وقطاع إنتاج الطاقة الكهربائية[5].

بلغت الواردات في 2019 أكثر من 6.3 مليون طن متري[6]، أسمنت العريش التابع للقوات المسلحة وحده حصل على 32% من واردات الأسمنت عام 2019، وهو يستحوذ على 17% من الحصة السوقية للأسمنت من أصل 19 مصنع للأسمنت، تبلغ قدرتها الانتاجية 82.5 مليون طن، استهلكت السوق المحلية 45 مليون طن عام 2020.

إعداد الباحث طبقًا لبيانات التجارة الخارجية

أما الفحم النباتي فقد توسعت مصر في انتاجه من خلال مكامير الفحم الذي قدرها وزير البيئة ب 1600 مكمورة على الأقل[7]، تعد مصر ضمن قائمة العشرة الأولى في إنتاج وتصدير الفحم النباتي، حيث تستحوذ على حصة تقدر ب 3% من السوق العالمي، صدرت مصر 30 ألف طن عام 2018[8] وكانت السعودية وهولندا أكبر المستوردين، أما عام 2019 بحسب وزيرة البيئة فقد صدرت مصر أكثر من 75 ألف طن من الفحم النباتي وهو مؤشر يعطي تصور لأي مدى توسع إنتاج الفحم النباتي في مصر[9]، وتقدر صادرات الفحم النباتي ب 50 مليون دولار عام 2019[10].

واقع استهلاك الفحم الطبيعي

تراجع الدولة عن دعم الغاز في صناعة الأسمنت الملوثة للبيئة حيث كانت تستهلك 20% من الغاز الطبيعي، إذن صناعة الأسمنت هي السبب الرئيسي لارتفاع فاتورة استهلاك الفحم الطبيعي في مصر، في ظل التنمية الأسمنتية وانشاء المدن الجديدة والبنى التحتية ومد شبكات الطرق، سعت تلك الشركات لتوسيع أرباحها من خلال مضاعفة الانتاج سواء على مستوى القطاع العام والخاص، فشركة أسمنت العريش التابعة لجهاز الخدمة بالقوات المسلحة والتي تأسست عام 2011 ضاعفت من انتاجها خلال الفترة 2014-2021 قبل قرار جهاز حماية المستهلك وشعبة منتجي الأسمنت بخفض الانتاج بعض خسائر ضخمة بسبب وفرة المعروض[11].

بحجة تعدد مصادر الطاقة أصبح الفحم يشكل 1% على الأقل من مصادر الطاقة في مصر[12]، وتعتبر صناعة الأسمنت الأكبر استهلاكًا للفحم الحجري والبترولي، لكن صناعة الحديد لازالت تستهلك الكثير من الفحم تقدر تقريبًا نصف مليون طن من فحم الكوك، تجاوز الواردات 280 ألف طن متري حتى أغسطس 2022[13]، ويذكر أن ارتفاع واردات فحم الكوك سترتفع وذلك بعد تصفية عملاق الصناعة المصرية شركة النصر للكوك[14] 2022 حيث كانت تنتج 200 ألف طن بعد أن خرجت بطاريتان عن العمل عام 2011، وتراجع انتاج البطاريتين المتبقيتين إلى 22% من قدرتهما، حيث كانت القدرة الانتاجية لفحم الكوك في مصر يتجاوز 1.6 مليون طن سنويًا.

تعتبر صناعة الحديد والصلب الثانية في استهلاك الفحم خصوصًا بعد نمو صناعة الحديد بين عامي 2010-2018 بنسبة 16.9%[15]، فيما تحل صناعة الألمونيوم ثالثًا حيث تنتج شركة مصر للألمونيوم 140 ألف طن من الفحم المكلسن والمستخدم في صناعة الألمونيوم[16]، أما صناعة فحم الكوك فقد توقفت بتصفية شركة النصر للكوك، لكن استيراده لازال مستمر على قدم وساق.

أما بالنسبة لإنتاج الكهرباء من الفحم فقد صرفت مصر النظر عن المشاريع التي كان من المخطط انشاؤها وذلك في عام [17]2020، وبذالك يحصر استخدام النفط الحجري والبترولي في ثلاث قطاعات رئيسية:

  1. الأسمنت.
  2. الحديد والصلب.
  3. الألمونيوم.

سياسات ضد التنمية المستدامة

ينص الدستور في المادة 46 ” لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة، وحمايتها واجب وطني. وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها، وعدم الإضرار بها، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة، وضمان حقوق الأجيال القادمة فيها”.

ينص تقرير صادر عن وزارة البيئة المصرية أن استخدام الفحم في صناعة الأسمنت قد يكلف مصر 3 مليارات دولار إلى 5 مليارات دولار سنويًا من التكاليف الصحية، في المقام الأول من أمراض الجهاز التنفسي[18]، كما تنتشر أمراض الجهاز التنفسي بشدة في منطقة الدخيلة لوجود مصنع الحديد والصلب في تلك المنطقة، كما يشتكي أهالي المنطقة من وجود الرذاذ والهواء المحمل برماد ومسحوق الفحم والذي يلطخ واجهات الأبنية والجو في تلك المنطقة بالرغم من الشكوى المستمرة[19].

وبالرغم من إصرار أساطين صناعة الأسمنت على أن السبب الرئيسي لإستخدامهم الفحم هو توفير عملة صعبة للبلاد لأن الفحم تكلفته أقل بكثير من الغاز، بالفعل يحقق الفحم أرباحًا ضخمة للشركات لكن على المستوى المستدام فإن تكلفته باهظة جدًا على المجتمع والبيئة، ناهيك على أن سعر الفحم ذاته قد ارتفع من 80 دولار للطن إلى أكثر من 300 عام 2022 بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، خصوصًا مع عودة المانيا لإنتاج الكهرباء بالفحم بنسبة 31% [20].

وجدت دراسة بولاية ماريلاند في عام 2006 أن الانبعاثات من محطات حرق الفحم في الولاية تسببت في 700 حالة وفاة سنويًا على مستوى البلاد، ووفقًا لتقرير نُشر في عام 2004 إن التلوث بالجسيمات الدقيقة المنبعثة جراء استخدام الفحم في أوروبا، يؤدي إلى وفاة حوالي 24 ألف شخص سنويًّا، وإصابة 19 ألف شخص بالتهاب مزمن في الشعب الهوائية، وحوالي 30 مليون إصابة بالتهاب حاد في الجهاز التنفسي، وفي الولايات المتحدة وحدها هناك 420 الف أعراض تنفسية علوية وسفلية بالولايات المتحدة، 400 الف نوبة ربو شديدة، و 19 الف زيارة للمستشفى وغرف الطوارئ، ويصاب 2800 بسرطان الرئة سنويًا، وخسارة حوالي 1.8 مليون يوم عمل. يكلف هذا العبء المرضي دول أوروبا حوالي 15- 42 بليون يورو سنويًّا.

تسبب الجسميات التي قطرها أقل من 25 المنبعثة من احتراق الفحم اختراق للرئة وتؤدي إلى مشاكل صحية كثيرة:

  1. الالتهاب
  2. تجلط الدم
  3. مشاكل ضغط الدم
  4. مشاكل الجهاز التنفسي
  5. قصور نمو الرئة عند الأطفال
  6. انخفاض مستوى الذكاء
  7. أمراض الجهاز العصبي
  8. قلة جودة الحيوانات المنوية

الفحم والبيئة

يطلق احتراق الفحم أكثر من 20 مادة كيميائية سامة منها (الزرنيخ والرصاص والزئبق والنيكل والفاناديوم والبريليوم والكادميوم والباريوم والكروم والنحاس والموليبدينوم والزنك والسيلينيوم والراديوم) كما ينتج الأكاسيد والغازات الدفيئة مثل ثاني اكسيد الكربون والميثان، وينتج من عملية الاحتراق ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين، وهيدرات النتريدات الكربون والكبريت، كذلك ينبعث سيانيد الهيدروجين ونترات الكبريت.

ليس فقط في الهواء كذلك عند دفن المخلفات الناتجة عن عملية الاحتراق فإنها قد تترسب في القشرة الأرضية وتؤدي إلى تقليل خصوبة التربة بسبب ترسب أملاح الصوديوم وتحويل التربة إلى قاعدية، أما على مستوى الاحتباس الحراري فالفحم هو أكبر مساهم في انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون ضعف الغاز الطبيعي، كما أن الفحم ينتج كمية كبيرة من غاز الميثان أثناء التعدين واستخراجه، كما تسبب مخلفات الاحتراق مشاكل في خصوبة التربة وتلويث المياه السطحية وتحت السطحية، ويؤثر الزئبق والزرنيخ على الأسماك في المياه العذبة في حالة كانت النفايات الناتجة عن عملية الاحتراق قريبة أو كان نقلها إلى أماكن بعيدة عن المسطحات المائية لا يخضع لمعايير الأمن والسلامة. كذلك قد ترفع احتمالية زيادة الحرائق الطبيعية في أشهر الصيف والحرارة بسبب وجود تلك المواد على السطح.

اشتراطات أمان لا تطبق

وضعت وزارة البيئة في مارس 2015 اشتراطات لاستيراد الفحم[21]، وبصدور تلك الاشتراطات توسعت الشركات في استيرادها، كان أهم ما اشتملت عليه الاشتراطات توزيع المسؤولية بين الشركة المستوردة وشركات الشحن في مسائل الأمن والسلامة، كما شملت بعض الشروط على الاستيراد وتقيده وهي كالآتي:

  • تحديد كمية الفحم السنوية المرخص بها على أساس لا يزيد عن معدل استهلاك الطاقة الحرارية 4 ألف ميجاجول لكل طن كلنكر للأسمنت الأسود، و6.2 الف ميجاجول للأسمنت الأبيض.
  • يتم رش الفحم بالماء لمنع تطاير الغبار والجسميات سواء أثناء الشحن والتخزين.
  • التخزين بشكل محكم في اماكن مغلقة من ثلاث جوانب ومظللة، على أن لا تطول فترة التخزين عن 15 يومًا.
  • أن يتم عملية طحن الفحم قبل حرقه أن يكون في أماكن مغلقة، وتخزينه في صوامع مع قياس دائم لنسبة أكاسيد الكربون وعلى رأسها أول أكسيد الكربون القاتل.
  • نقل الفحم المطحون من خلال المضخات الهوائية.

رصدت العديد من التقارير إلى أن تلك الاشتراطات ما هي إلا حبر على الورق، ناهيك عن كون بعضها يعتريه القصور[22]، وأن المناطق السكنية القريبة من مصنع الحديد والصلب في الدخيلة أو بالقرب من ميناء اسكندرية لا تطبق فيها تلك الشروط لأن تكلفة تنفيذها مرتفعة في بعض المراحل، لذلك هناك تشكيك دائم في مدى الأمن والسلامة لشحن وتفريغ وطحن واستخدام الفحم، كما أن الأثار البيئية بشكل عام لا يمكن التوثق منها بسبب غياب مؤسسات الرصد والدراسة العلمية الرصينة بالإضافة لغياب الشفافية والمناخ الذي يشجع على دراسة تلك الانعكاسات بشكل حر[23].

سياسات محدودة المنفعة كثيرة الضرر

مصر هي مستورد صافي للفحم وتحل في المرتبة 28 عالميًا[24]، تقدر فاتورة استيراد الفحم ب 330 مليون دولار عام 2018 [25]، و 504 مليون دولار عام 2019، في حين لا تحقق الصادرات من الأسمنت المصري أكثر من 450 مليون دولار، أي أن هناك عجز تجاري واضح بالنسبة لصناعة الأسمنت فقط  في مقارنة فاتورة واردات الطاقة مقارنة بصادرات الأسمنت بعيدًا عن بقية الخامات التي تستورد.

كذلك فإن تكلفة استخدام الفحم ليست منخفضة فهناك رسوم شحنه التي تزيد من سعره، كذلك دفع ضريبة الكربون للدول المصدرة، والأهم من ذلك ارتفاع سعر الفحم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية مع عودة دول مثل المانيا لاستخدام الفحم في انتاج الكهرباء من 80 دولار للطن إلى أكثر من 300 دولار، حيث ارتفعت واردات مصر في يونيو 2022 155% مقارنة بيونيو 2021 بسبب إرتفاع سعره، يتم تحميل المستهلك النهائي كل تلك التكلفة حيث بلغ طن الأسمنت 37 الف جنيه مصري.

إلا أن التكلفة الكبيرة هي التكلفة العامة،  فقد قدر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تكلفة الصحة بسبب التوسع في استخدام الفحم ب 30 مليار جنيه في حالة تطبيق الشروط الأوروبية شاملة تكلفة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المقدرة ب 6 مليار جنيه، حيث أن الفحم مسؤول عن 36.6% من انتاج غاز ثاني أكسيد الكربون في مصر يليه الغازالطبيعي بنسبة 25.2% والديزل بنسبة 24.5%[26].

كما يضاعف سعر استخدامه البنى التحتية المخصصة لاستخدام الفحم على الشروط الأوروبية والتي قدرها تقرير المركز المصري بين 3.5 إلى 6 مليار دولار والتي تشمل:

  • تجهيز الموانئ
  • تجهيز معدات خاصة بتفريغ السفن وآليات الأمن والسلامة
  • منشآت خاصة للتخزين في الموانئ
  • تجهيز نقل آمن على السكك الحديدة أو بالطرق البرية أو النهرية
  • مواصفات منضبطة للتخزين في المصانع
  • مواصفات خاصة بمنشآت طحن الفحم
  • محطات لمعالجة المياه الملوثة التي استخدمت في المعالجات الأولية للفحم المستخدم في صناعة الأسمنت
  • تحقيق الرقابة والمتابعة الدائمة والمستمرة (تحسب ضمن التكلفة)

  وبالرغم من صدور القرار الوزاري 49/2021 للاستبدال الجزئي الإلزامي للوقود البديل في قطاع الأسمنت في مارس 2021 من قبل وزارة البيئة كإجراء سياسي داعم لكنه لم يطبق حتى الوقت  الحالي ولازالت مصانع الأسمنت تعتمد على الفحم بشكل أساسي، وربما تراجع الانفاق العام على البنى التحتية وتراجع الطلب على الأسمنت هو ما يؤدي حتى اللحظة لتراجع استيراد الفحم في 2022م وليست سياسات ترشيد بيئية تراعي التنمية المستدامة.

ويعتبر الخبراء أن سياسات استخدام الفحم في مصر هي ضد المواثيق التي ابرمتها مصر بخصوص خفض انبعاثات الكربون[27]، والترشيد المستدام للطاقة والاعتماد على الطاقة المتجددة، ناهيك أن سياسات استخدام الأسمنت بشكل عام تقف ضد الفقراء وتساهم في التاثير على المواطنة للمصريين ومؤشرات التنمية البشرية كالصحة والعدالة الغذائية، يوجد في مصر ما لا يقل عن 30 مليون انسان فقراء خصوصًا مع الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، إن زيادة تكلفة بند الصحة على هؤولاء يعني بصورة مباشرة قتلهم ببطئ لأنهم لا يمتلكون الحدود الدنيا من التأمين الصحي والضمان الاجتماعي، إن سياسة استخدام الفحم في الانتاج الثقيل لا يعني توفير الغاز ليدر عملة صعبة للبلاد فحساب التكلفة والعائد يوضح بشكل جلي أن استخدام الفحم مكلف، أي أنه متقارب بشكل كبير في حال استخدام الغاز في الصناعات الثقيلة.

أما بالنسبة للفحم النباتي فإن المعضلة الحقيقة هي في التراخي في الاشتراطات أو عدم الإلتزام الصارم بها، في ظل ان المنفعة المتحققة منه ضعيفة جدًا فصادرات مصر من الفحم النباتي تتراوح بين 50 مليون دولار على أقصى تقدير[28]، أما التكلفة البيئية والصحية بسبب الانبعاثات التي تخرج من مكامير الفحم التقليدية قد تكون كبيرة ومضرة على البيئة والصحة العامة.

يمكن اعتبار تحقيق الثروات من خلال استخدام الفحم في الصناعات الثقيلة هي بالأساس سياسات افقار للطبقات الدنيا والمتوسطة، بل واستلاب حياتهم لصالح حياة الأغنياء، ان استخدام الفحم يعني بشكل مباشر تعميق الهوة بين طبقات المجتمع وزيادة حدة اللامساواة، أي يزداد الغني غنًا والفقير فقرًا، فقر في الصحة والتعليم والحياة، إن تلك السياسات محدودة المنفعة لشبكات المصالح التي تحقق الربح، كثيرة الضرر بسبب أنها تؤثر على حياة شريحة أكبر من السكان تقدر بالملايين.

النتائج والتوصيات

قدمت هذه الورقة صورة عن سياسات استخدام الفحم في الانتاج الصناعي، وكيف إرتفعت فاتورة استيراد الفحم من 386 ألف طن سنويًا عام 2013 وحتى 6.31 مليون طن سنويًا، أي أنها تضاعفت 16 مرة، في الوقت الذي تفتقر مصر فيه لوجود خام الفحم ما يعني بصورة أساسية التكلفة العالية للفحم ولا يعد قليل التكلفة كما يروج له أباطرة صناعة الأسمنت، بل إنه يساهم بصورة أساسية في الضغط على وجود العملة الصعبة في البلاد في ظل تراجع احتياطها من الدولار بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة في البلاد منذ فبراير 2022.

وعلى صعيد إنتاج الفحم النباتي فقد ارتفعت صادرات مصر منه حتى بلغت 75 ألف طن سنويًا، مما مكنها من الاستحواذ على 3% من السوق العالمية للفحم النباتي، وبالرغم من ذلك فإن عمل 22 ألف عامل في ذلك القطاع لا يعني بالضرورة ربحيته على الأمد البعيد، فالدخل الاقتصادي العائد من تصديره ليس بالكبير حيث تشير مصادر الوزارة أنه بحدود 50 مليون جنيه وأخرى تقدره بالدولار.

في كل الأحوال نحن لا نتحدث عن صناعة مستدامة لأن تكلفة التلوث أعلى بكثير وتضغط على ميزانية الدولة، فإن استيراد الفحم وحده قد كلف الدولة بين 3.5 و6 مليار دولار، ناهيك عن المشكلات الصحية وعدد الوفيات وتراجع القدرة الانتاجية بسبب خسارة أيام العمل، كما يساهم ذلك في زيادة الفقير فقرًا حيث تتراجع صحته وتزيد من تفاقم مشكلات البطالة وتراجع الانتاج.


إن الحديث عن دولة لا تمتلك في أراضيها خام الفحم ولم تكن من الدول المستهلكة له بكثافة، وأنها لم تستخدمه إلا خلال الأعوام السابقة يعني بالضرورة إمكانية التخلي عنها في ظل وجود سياسات بديلة عالميًا، ونحن إذ نحث صانعي السياسات العامة في الدولة المصرية على تطبيق تلك التوصيات:

  1. كما وضحنا وجود وفرة للمعروض من الأسمنت في السوق المصرية حيث تستهلك 54% فقط من الانتاج، وتراجع استيراد الأسمنت المصري عالميا بسبب ضعف جودته، في حين تحاول الدولة تسويقه في أفريقيا، فأول تلك التوصيات هو خفض انتاج الأسمنت بشكل عام فإن ذلك بدوره سيخفض إستهلاك الفحم مصريًا كما سيساهم بصورة أساسية في تحقيق ربح اقتصادي للمنتجين بسبب تراجع المعروض لصالح الطلب.
  2. لا بديل عن التحول إلى طاقة البديلة في إنتاج الأسمنت لأن ذلك ببساطة يساهم في توطين الطاقة في مصر وبالتالي تقليل تكلفة الفاتورة المرتفعه الضاغطة على العملات الأجنبية والتي تساهم في تعقيد أزمة الاقتصاد المصري من جهة، ومن جهة أخرى تساهم في تنوع مصادر الطاقة بالفعل واعطاء استقلال في القرار السياسي حتى لا تتحول مصادر الطاقة المستوردة لأداة ضغط سياسية.
  3. تمتلك مصر حقول غاز يعتقد أنها قد تكفي لأكثر من عشرون عام قادم، يمكن للدولة المصرية دعم قطاع الأسمنت بنسبة 20-40% من حتياجاته للغاز بأسعار تنافسية.
  4. دعم قطاع قائم على تطوير نمط البناء في مصر كإستخدام الخرسانة الخضراء، والمباني الصديقة في للبيئة التي تستخدم مواد معاد تدويرها أو مواد تستخدم مواد أولية صديقة للبيئة بدلًا من الأسمنت، ويحتاج ذلك أولًا لترويج ثقافي لذلك النمط من البناء، مما قد يدفع على المدى البعيد إلا تقليل الاعتماد على الأسمنت.
  5. إنشاء جهاز تابع لوزارة البيئة يمتلك من الصلاحيات لتنفيذ رقابة صارمة ودائمة، ويقتضي ذلك أيضًا أن يمتلك ذلك الجهاز شفافية بحيث يصدر تقارير دورية عن حالات المصانع المستخدمة للفحم في عمليات الانتاج سواء الأسمنت أو الحديد والصلب أو الألمونيوم، بحيث يكون ذلك متاح على الانترنت للمؤسسات الحقوقية والإعلامية لمناقشته ومطابقته على أرض الواقع.
  6. السماح للمؤسسات الحقوقية المدافعة عن حقوق البيئة لزيارة المنشآت الصناعية وأماكن تخزين الفحم ونقله من الميناء إلى مناطق الانتاج للمارسة دور رقابي مدني، على أن يكون ذلك من خلال تشريع قانوني يجبر تلك المؤسسات الصناعية وشركات الشحن والتفريغ والموانئ أن تفتح أبوابها للمؤسسات الحقوقية والإعلامية بزيارة تلك الأماكن حتى من دون إذن مسبق.
  7. الإلتزام الصارم بالشروط التي وضعتها وزارة البيئة بخصوص النقل والتفريغ والتخزين.

[1] الرهان على الفحم: ثمن دخول الفحم الحجري لمصر، Betting-On-Coal-AR-PDF_PRINT_ECESR.pdf.

[2] ليلى إسكندر: رفضنا لاستخدام الفحم يأتى للمحافظة على البيئة ليس أكثر – اليوم السابع (youm7.com).

[3]  خبير: روسيا وأوكرنيا تمدان مصر بـ80% من الفحم.. ويجب وقف تصدير الأسمنت – جريدة المال (almalnews.com).

[4]  Egypt Coal Consumption, 1965 – 2022 | CEIC Data.

[5] وزير البيئة: استخدام الفحم في 5 أنشطة فقط – جريدة المال (almalnews.com).

[6]  https://www.spglobal.com/commodityinsights/en/market-insights/latest-news/oil/011620-egypt-2019-thermal-coal-imports-rise-31-on-cement-sector-demand .

[7]  تصدير الفحم من مصر تعرف علي الخطوات وأهم المستوردين – Mosader مُصَدِر.

[8] مصر من أول 10 دول في إنتاجه.. منتج فحم نباتي يكشف خطوات الحصول عليه – أخبار مصر – الوطن (elwatannews.com).

[9] وزارة البيئة: تصدير أكثر من 75 ألف طن فحم نباتى خلال 2019 – اليوم السابع (youm7.com).

[10]  صوب حرارية لإنتاج فحم دون انبعاثات ضارة – الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (scidev.net).

[11]  https://n9.cl/09owi .

[12]  International – U.S. Energy Information Administration (EIA).

[13]  https://2u.pw/BNSnOi .

[14] مصر.. تصفية شركة حكومية لإنتاج الكوك.. ومسؤول يوضح الأسباب – CNN Arabic.

[15]  https://jsec.journals.ekb.eg/article_139213_c61de8492d050f86764cc294b5d37d58.pdf .

[16]  https://2u.pw/fcYlHk .

[17] محمد شاكر: صرف النظر نهائيًا عن استخدام الفحم فى توليد الكهرباء – اليوم السابع (youm7.com).

[18]  Egypt Destroyed Its Environmentalist Movement to Protect Its Cement Industry (foreignpolicy.com).

[19] “إحنا بنموت بالبطيء”… متى تتخلى مصر عن استخدام الفحم كمصدر للطاقة؟ – رصيف22 (raseef22.net) .

[20] العودة للفحم.. كيف كشفت “تناقضات” سياسة الطاقة بألمانيا؟ | سكاي نيوز عربية (skynewsarabia.com) .

[21] «الوطن» تنشر«مسودة شروط ومعايير استخدام الفحم كوقود فى مصانع الأسمنت» – – الوطن (elwatannews.com).

[22]  تعديلات اللائحة التنفيذية الجديدة لقانون البيئة تَوسّع خطر في استخدام الفحم، وأعباء صحية وبيئية جسيمة | المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (eipr.org).

[23]  Egypt Destroyed Its Environmentalist Movement to Protect Its Cement Industry (foreignpolicy.com).

[24] الدول حسب واردات الفحم – AtlasBig.com .

[25]  واردات الفحم الحجري تسجل أعلى قيمة منذ بداية استخدامه ضمن مزيج الطاقة – جريدة البورصة (alborsaanews.com).

[26] taxing-energy-use-egypt.pdf (oecd.org).

[27]  أحمد ذكر الله، مصر استخدام الفحم كارثة للفقراء وثروات للأغنياء، أبريل 2018.

[28]  صوب حرارية لإنتاج فحم دون انبعاثات ضارة – الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (scidev.net).

أخر المستجدات

تابعونا

ابق على اطلاع بأخر المستجدات في المجال البيئي

شارك هذه الورقة

أخر المستجدات