الطاقة المتجددة وحق الإنسان في بيئة نظيفة

تعتبر الطاقة المتجددة اليوم هي بوصلة العالم الرئيسية ومحط الإهتمام المستقبلي والتحدي الحقيقي لخلق حالة من التوازن بين التنمية الإقتصادية والمحافظة على البيئة وتعزيز حق الإنسان في بيئة نظيفة، حيث تعتبر الطاقة المتجددة هي أهم مصادر الطاقة العالمية حاليا كونها طاقة نظيفة وغير ملوثة للبيئة مما يجعلها من أهم العوامل لتحقيق التنمية المستدامة، وبعد أن ثبت ما للطاقة التقليدية من تداعيات سيئة على البيئة وعلى صحة الإنسان، أصبحت البيئة محدد عالمي يفرض نفسه ويؤثر على العلاقات الدولية المعاصرة، وتعد الطاقة المتجددة عامل مساعد بل وأساسي لمجابهة التغييرات المناخية، وبالتالي فالمحافظة على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة خاصة بالدول النامية التي تعاني من انتشار التلوث والفقر في الطاقة التقليدية والبحث عن طاقة بديلة نظيفة متجددة هو شكل من أشكال المحافظة على البيئة وتحدي قائم أمام معظم دول العالم، ويعتبر الحق في بيئة نظيفة هو من أهم الحقوق في مجال الحقوق والحريات العامة وهو ينتمي للجيل الثالث لحقوق الإنسان وينبني على فكرة وجوب التضامن بين شعوب العالم من منطلق أنه لا يمكن القضاء على الأضرار البيئية المختلفة التي لا تحد بحدود دولية وتجوب القارات دون  وجود قيود، إلا من خلال تكاتف وتعاون الجهود الدولية للحفاظ على البيئة، نحاول من خلال هذه المقالة تسليط الضوء على أهمية الطاقة المتجددة باعتبارها طاقة نظيفة وغير ملوثة للبيئة مما يجعلها سبب رئيسي في تحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة كما سنتناول تعريف الحق في بيئة نظيفة وتطور هذا المفهوم عالميا ومحليا.

البيئة النظيفة حق من حقوق الإنسان

تتكون البيئة من عنصرين الاول هو العنصر الطبيعي الذي لا دخل للإنسان به، والأخر هو الصناعي المستحدث أو المشيد وتعرف البيئة بانها المحيط الذي يعيش فيه الفرد ويؤثر فيه ويتأثر به، وقد اوجز إعلان مؤتمر البيئة في ستوكهولم مفهوم البيئة كونها كل شئ يحيط بالإنسان، لذا فإن أزمة الإنسان مع بيئته بدأت عندما اختل التوزان بين هذه العناصر، فطغى العنصر المستحدث على العنصر الطبيعي الأصلي، وأكد الميثاق العالمي للطبيعة في مادته الأولى ان ” للإنسان حق أساسي في الحرية والمساواة وفي ظروف معيشية مرضية وفي بيئة محيطة تسمح له بالحياة في كرامة ورفاهية، وعليه واجب مقدّس في حماية وتحسين البيئة للأجيال الحاضرة والمقبلة”.

لم يتضمن الدستور المصري عام 1971 أي من المواد التى تنص على الحق في بيئة صحية سليمة أو عن حماية البيئة، وتطور مفهوم الحقوق البيئية في الدستور المصري منذ 2007، حيث تم تعديل الدستور ليتضمن مادة خاصة بالبيئة جاء فيها أن “حماية البيئة واجب وطني، وينظم القانون التدابير اللازمة للحفاظ على البيئة الصالحة” (مادة 59) ونلاحظ أن هذه المادة  جاءت سطحية وبدائية وتؤكد على ضرورة حماية البيئة دون أي تفريق ما بين واجب الدولة وواجب الأفراد، وقد طور دستور 2012 الصادر بعد الثورة هذا المفهوم فنص على أن “لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة وتلتزم الدولة بصون البيئة وحمايتها من التلوث، واستخدام الموارد الطبيعية، بما يكفل عدم الإضرار بالبيئة والحفاظ على حقوق الأجيال فيها” (مادة 63) وهنا نلاحظ تطور المفهوم من مجرد إعلان هدف أو قيمة معينة إلى منظور حقوقي ينص على حق كل إنسان في بيئة صحية سليمة بالإضافة الى ذلك، رتب دستور 2012 التزاماً على الدولة بالحفاظ على البيئة وباتخاذ التدابير اللازمة لهذه الغاية وقد عكس هذا النص تطوراً في دور الدولة في حماية البيئة حيث تم التأكيد على التزامها وواجبها ومسؤوليتها في القيام بذلك كما ذهب هذا الدستور إلى حد تعداد الحقوق البيئية: فنص على حماية الرقعة الزراعية وزيادتها، والعمل على “تنمية الأصناف النباتية والسلالات الحيوانية والثروة السمكية وحمايتها” مع ربط ذلك لتحقيق الأمن الغذائي (مادة 15) مما يعكس فهماً عميقاً للعلاقة بين حماية البيئة ومقومات الحياة الأساسية للإنسان كما نص على أن “الثروات الطبيعية للدولة ملك للشعب” (مادة 18) وألزمت الدولة “بالحفاظ عليها وحسن استغلالها ومراعاة حقوق الأجيال فيها” كذلك بالنسبة لنهر النيل وموارد المياه (مادة 19) كذلك تم تخصيص مادة في الدستور لإلزام الدولة بحماية الشواطئ والبحار والممرات المائية والبحيرات، بالإضافة إلى المحميات الطبيعية (مادة 20) ويعكس هذا التفصيل في الدستور، التعمق في مفهوم حماية البيئة والحقوق البيئية وأهميتها بما استدعى اعطاءها قيمة دستورية.

التوجه نحو تعزيز حماية البيئة في مصر تم تعزيزه في الدستور الحالي الذي تم اقراره في 2014 فبالإضافة الى كل ما تقدم، أبدى الدستور نظرة أكثر شمولية للعلاقة بين الإنسان والبيئة فربط حماية الرقعة الزراعية بحماية سكان الريف من المخاطر البيئية (مادة 29) كما نص على حماية الثروة السمكية ودعم الصيادين وتمكينهم من مزاولة أعمالهم “دون إلحاق الضرر بالنظم البيئية” (مادة 30) واذ أعاد الإشارة إلى “حقوق الأجيال القادمة”، ربط بين حماية البيئة من جهة وهذه الحقوق وتحقيق التنمية المستدامة من جهة أخرى، ويمكن القول بأنه عند اقتراح مثل هذه القوانين تم إقرارها دون نقاش او خلاف، وبذلك بقيت الأسئلة الكبرى كالعلاقة بين البيئة والإستثمار موضع تجاهل وتغييب تام.

مصادر الطاقة المتجددة ومستقبلها

تُعرف الطاقة المتجددة على أنها الطاقة التي تنتج عن مصادر طبيعية كالتي تنتج من الشمس والرياح والمياه وتتجدد بمعدل يزيد عن ما يتم استهلاكه، وهي وفيرة وموجودة في كل مكان حولنا، على الناحية الأخرى تعتبر الطاقة التقليدية أو الوقود الأحفوري والذي يتمثل في الفحم والنفط والغاز والذي يعتبر غير متجدد ويستغرق مئات وملايين السنين ليصبح على حالته، كما ان الإنبعاثات الناتجة عن حرقه لإنتاج الطاقة تولد غاز ثاني أكسيد الكربون وهي انبعاثات ضارة على البيئة والإنسان، كما أن انبعاثات الطاقة المتجددة أقل بكثير عن الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، لذلك يعد التحول إلى الطاقة المتجددة أمرا أساسيا لمعالجة أزمة المناخ، وتعتبر الطاقة المتجددة حاليا أقل تكلفة في معظم البلدان كما أنها تخلق وظائف أكثر بثلاث مرات من الوقود الأحفوري. أهم مصادر الطاقة المتجددة هي الطاقة الشمسية، يعتبر تحويل أشعة الشمس إلى طاقة كهربائية عن طريق الألواح الكهروضوئية او من خلال المرايا التي تركز الإشعاع الشمسي هو ما يعبر عنه بأنه استخدام الطاقة الشمسية كطاقة متجددة، وأصبحت الطاقة الشمسية هي الأكثر وفرة من بين جميع مصادر الطاقة ويمكن توليدها والطقس غائم، ويمكن لتكنولوجيا الطاقة الشمسية توفير الحرارة والتبريد والإضاءة الطبيعية والكهرباء والوقود لمختلف الإستخدامات، وكذلك طاقة الرياح وهي طاقة ناتجة من توربينات الرياح الكبيرة الموجودة على الأرض أو البحر، وتستخدم طاقة الرياح منذ قديم الأزل إلا أن تطور التكنولوجيا في السنوات الماضية ساهم في زيادة الطاقة المتولدة وتحديد أفضل الأماكن التي تكون فيها الرياح قوية لتوليد الطاقة بشكل مستمر وأكبر، وكذلك الطاقة الحرارية الأرضية، وهي المتوفرة في باطن الأرض ويتم استخراجها عن طريق الخزانات الحرارية باستخدام الآبار أو سائل أخرى، وتعرف الخزانات الساخنة بدرجة كافية والتي يتم تحسينها بالتحفيز الهيدرولي باسم أنظمة الطاقة الحرارية الأرضية المحسنة، وبمجرد وصول الطاقة الحرارية الأرضية إلى السطح يمكن إستخدام سوائل بدرجة حرارة مختلفة لتوليد الكهرباء، وكذلك الطاقة الكهرومائية، وهي الناتجة عن طاقة المياة المتدفقة من الاعلى لأسفل ويمكن أن تتولد من الخزانات والسدود والأنهار، وتعد الطاقة المائية حاليا هي أكبر مصدر طاقة متجدد في قطاع الكهرباء، وأيضا طاقة المحيط، وهي الناتجة من التكنولوجيا التي تستخدم الطاقة الحركية ( من أمواج البحر أو ظاهرة المد والجزر) والحرارية ( من الطاقة المتولدة من الفارق الحراري بين طبقات المياه العلوية والسفلية) لمياه البحر لإنتاج الكهرباء أو الحرارة، وكذلك الطاقة الحيوية، والتي يتم إنتاجها من المواد العضوية مثل الخشب والفحم وغيرها من السماد الطبيعي والمخلفات والنفايات، وتستخدم أغلبها في المناطق الريفية لأغراض الإضائة والطهي والتدفئة وبشكل عام من قبل السكان الأكثر فقرا في البلاد النامية.

“آن الأوان لنتوقف عن حرق كوكبنا والبدء في الإستثمار في خير الطاقة المتجددة المتاحة في كل مكان حولنا” آنطونيو غوتيرش، الأمين العام للأمم المتحدة

استخدام الطاقة المتجددة يعتبر هو الحل الوحيد لضمان مستقبل آمن ومستدام للأجيال القادمة، حيث أن توليد الطاقة بمختلف أنواعها بإستخدام مصادر الطاقة النظيفة هي أصل التحدي وهي جوهر مجابهة التغيرات المناخية، لانه يتم توليد الجزء الأكبر من الغازات الدفيئة التي تحيط بالأرض وتحبس حرارة الشمس من خلال إنتاج الطاقة باستخدام الوقود الأحفوري، إذ يمثل أكثر من 75% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية وحوالي 90% من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وحيث ان التقارير العلمية توضح أنه ولتجنب الأثار والأضرار الجانبية لتغير المناخ يجب خفض الانبعاثات بمقدار النصف تقريبا بحلول 2030 والوصول بها إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050.

ولكي نصل إلى ذلك يجب علينا التخلص من اعتمادنا على الوقود الأحفوري والاستثمار في مصادر بديلة للطاقة تكون نظيفة  ومستدامة، ولا يزال الوقود الاحفوري يمثل أكثر من 80% من إنتاج الطاقة العالمي، ولكن مصادر الطاقة النظيفة تزداد نسبيا، حيث وصلت نسبة الطاقة الكهربائية 29% تأتي من مصادر متجددة، وتتمثل اهمية اختيار تقنية طاقة متجددة على تقنية تقليدية في انخفاض الأثر البيئي، حيث أن تأثير الطاقة المتجددة على البيئة أقل بكثير من تأثير الطاقة التقليدية، وكذلك تقليل الإعتماد على الوقود الأحفوري، حيث انها تعتمد على موارد متعددة مثل الطاقة الشمسية والرياح وغيرها من موارد البيئة الطبيعية، وإنخفاض التكلفة، وغالبا ماتكون تقنيات الطاقة المتجددة أقل ثمنا ولإنها لا تتطلب بنية تحتية أو شبكات وخطوط نقل مكلفة، وزيادة التنمية المستدامة، حبث أنه العديد من تقنيات الطاقة المتجددة مستدامة على المدى الطويل، فعلى سبيل المثال قد تدوم الألواح الشمسية حوالي 20 عاما قبل أن يتم استبدالها، وقد تدوم توربينات الرياح حوالي 25 عاما، وهكذا.

الطاقة المتجددة في مصر

تستهدف الإستراتيجية الوطنية لمصر تطوير قطاع الطاقة كركيزة أساسية لبرنامج التنمية الإقتصادي وذلك للحد من استخدام الكربون جزئيا، ولضمان ذلك تسعى مصر لزيادة قدرتها على توليد الطاقة وتنويع مصادرها بما في ذلك التوسع في قطاع الطاقة المتجددة، ولذلك تهدف الدولة المصرية أن تبلغ نسبة مساهمة قطاع الطاقة المتجددة 42% بحلول عام 2035 وقد بلغ اجمالي استخدام الطاقة المتجددة في مصر 4.813 ميغاوات في سنة 2018.

وتعتبر الإمكانيات التكنولوجية الخاصة بتوليد الطاقة المتجددة في مصر كبيرة، حيث أنه على سبيل المثال يمكن تولد طاقة الرياح في بعض أنحاء البلاد ما لا يقل عن 30000 ميغاوات، وباستخدام الطاقة الشمسية تخطط مصر لإنتاج حوالي 2000 ميغاوات من الطاقة الكهروضوئية، ومع ذلك تستنفد الاحتياطات بشكل رئيسي في مجال الطاقة الكهرومائية بسبب السد العالي في أسوان.

دور الطاقة المتجددة في تحقيق البعد البيئي للتنمية المستدامة

أقيم المؤتمر الدولي الاول حول البيئة بمدينة ستوكهولم عاصمة السويد  عام 1972 تحت شعار “أرض واحدة” والذي كان هدفه يرمي إلى إطلاق مجموعة من الانشطة حول مستوى العالم لتزويد الإنسان بالمعرفة اللازمة حول البيئة وكيفية حمايتها والموارد المختلفة، كما أنه تشكلت الهيئة الدولية للبيئة والتنمية بمبادرة يابانية عام 1983 والتي كانت على ثمانية مبادئ كان من بينها المبدأ الذي نص على ضرورة المحافظة على الموارد الأولية وتعزيزها، مثل موارد المياه العذبة والغابات والتربة وكذلك تحسين استخدامها، ويمكن الإشارة إلى أن مبادرات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي تدعت إلى إحلال الطاقة المتجددة محل الطاقة التقليدية جاء في إطار الحد من الكوارث التي تسببها تلك الطاقات عند استخدامها من قبل البشر، فظاهرة الإحتباس الحراري التي تحبس أنفاس الأمم المتحدة والتي تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة للأرض هي أحدى نواتج الغازات المنبعثة عن استخدام الطاقة التقليدية والوقود الأحفوري، مما يشير إلى ضرورة إحلال الطاقة المتجددة محلها لتقليل انبعاث الغازات مما يخفض حجم الكارثة ويعالجها.

لتحقيق بيئة نظيفة.. لابد من استخدام الطاقة النظيفة

أخيرا؛ يدرك الجميع أن البيئة هي الحياة وأن الحصول عليها هو حق من حقوق الإنسان، فمن حق الفرد ان يعيش في بيئة سليمة وصحية ونظيفة، وخالية من التلوث، وفي ظل المتغيرات المناخية الواضحة التي يشهدها العالم، وتفاقم التلوث البيئي الذي أدى إلى ظهور الأمراض المتعددة، وهذا راجع كله لما أفرزه التقدم التكنولوجي الذي أسفر عن انبعاث غازات الاحتباس الحراري الناتجة من استخدام الطاقة الإحفورية التي لها صلة وثيقة بهذه التغيرات البيئية، وبعدما بدأت الدراسات المهتمة بالبيئة تأخذ منحنى حقيقي ظهرت العديد من المؤلفات والبحوث وعقدت العديد من الندوات ووقعت الكثير من الإتفاقيات المهمة والمختصة بحماية البيئة وفقا لقوانين ومعاهدات دولية ومحلية، أصبح استخدام الطاقة المتجددة أحد أهم هذه الإتجاهات لأجل حماية البيئة، وفي ضوء الاستهلاك العالمي المتزايد من موارد الطاقة التقليدية، والتي يسوءها أنها غير متجددة ومكلفة ولها تداعيات سلبية على البيئة، تنبأ الفكر الإنساني إلى إمكانية الإستفادة من هذا النوع من الطاقة النظيفة وزادت الجاذبية الإقتصادية لاستخدامها، فاعتبرت في الوقت الراهن كمحرك أساسي للإزدهار الإقتصادي والصناعة الإنتاجية للطاقة الصديقة للبيئة، ومن ثمة كان الدافع وراء هذا الخيار الاستراتيجي لاستخدام الطاقة المتجددة، هو الامكانية الهائلة لتوفر هذا النوع في العالم خاصة في منطقة الشرق الاوسط، وباعتبارها نظيفة غير ملوثة للمحيط البيئي إضافة إلى العائد من استخدامها وضمان حق الأجيال القادمة وتحقيق التنمية المستدامة للمجتمع.

للاطلاع على النسخة الانجليزية أضغط هنا

أخر المستجدات

تابعونا

ابق على اطلاع بأخر المستجدات في المجال البيئي

شارك هذا التقرير

أخر المستجدات